د.عبدالله مناع
كان واضحاً لـ(اليمنيين) خاصة.. منذ انطلاقة (عاصفة الحزم) في سماء اليمن فجر الخميس - ما قبل الماضي -.. أن أهداف (العاصفة) تتمثل في أمرين رئيسيين: التمكين لـ(الشرعية) التي يمثلها الرئيس المنتخب عبدربه منصور هادي وحكومة الوحدة الوطنية.. من إدارة البلاد، واستعادة اليمن من الميليشيات الحوثية.. التي اختطفته في سبتمبر الماضي
بـ(قوة السلاح)، الذي وضعه الرئيس السابق علي عبدالله صالح - عدو الأمس وصديق اليوم - في خدمتهم بحكم نفوذه السابق والطويل على الجيش والشرطة.. في أكبر وأحدث عملية تدليس سياسي يشهدها القرن الواحد والعشرون، فقد خرجت تلك الميليشيات الحوثية من صعدة - مقرها - إلى العاصمة (صنعاء) وهي ترفع مطالب وطنية بـ(عودة) الدعم للمحروقات، ومحاربة الفساد، وتطبيق مخرجات مؤتمر الحوار الوطني اليمني الشامل، وتغيير حكومة الوفاق الوطني بحكومة كفاءات وطنية مشهود لأعضائها بالنزاهة.. لتلتف حولها جموع المواطنين الأبرياء الذين لم يدركوا حقيقة ما تضمره تلك الميليشيات إلا بعد توقيعها مع الرئيس عبدربه على اتفاقية (السلم والشراكة) أو (خديعة) السلم والشراكة - على وجه الدقة - التي تورط الرئيس عبدربه في التوقيع عليها.. ليشتري به خروجهم من (صنعاء) وعودتهم إلى (صعدة)، بينما كان سيناريو (الحوثيين) الذي اعتمدوه سراً.. أن يجعلوا من تلك (الاتفاقية) تفويضاً لهم - على بياض - في أن يفعلوا ما يشاؤون في العاصمة ووزارتها وإعلامها وبنوكها ومؤسساتها.. بل وإدارة مرورها، وكأنهم هم الحكام الشرعيون لـ (اليمن)، أما الرئيس الشرعي (عبدربه منصور هادي) ورئيس حكومته الدكتور خالد بحاح.. فليسوا بأكثر من (أشباح).. تسمع عنهم ولا تراهم!! وهو ما حمل الرجلين - على الاستقالة - الاضطرارية - تباعاً، ليتم تحديد إقامتهما من قبل (الجماعة).. إلى أن تمكن الرئيس من الفرار إلى (عدن).. العاصمة الاقتصادية لليمن، حيث جعل منها عاصمة سياسية مؤقتة، يدير منها الحكم، وقد انتقلت إليها كل السفارات الخليجية ومعظم السفارات العربية والدولية.. ظناً منه أن الحوثيين.. سيعقلون بعد حين، ويعودون إلى رشدهم!! وإلى ما تبقى من آليات (المبادرة الخليجية) التي لم يبق منها.. غير إقرار (الدستور) من قبل أعضاء مؤتمر الحوار الوطني.. فـ(الاستفتاء) عليه من قبل اليمنيين جميعاً.. فإجراء الانتخابات التشريعية فـ(الرئاسية)، ليحتفل اليمنيون بعدها.. بـ(قيام) جمهوريتهم الاتحادية الفيدرالية الجديدة بأقاليمها (الست).. خاصة وأن مندوب الأمين العام للأمم المتحدة السفير جمال بن عمر.. كان مايزال في صنعاء التي أصبحت تحت الاحتلال (الحوثي)، يحاول جمع شتات اليمنيين في العاصمة.. بعد تشتتهم الذي أحدثته جريمة اغتصاب السلطة (حوثياً) في صنعاء.. إلا أن محاولات (بن عمر) التي كان ينتظرها عبدربه في (عدن)معه بقية حكومة البحاح التي فرت إليها.. كشفت عن سقف حوثي جديد من المطالب: بـ (إنشاء) مجلس رئاسي مؤقت من ثلاثة أو خمسة أعضاء، يكون أحد الحوثيين من بينهم.. في موقع (نائب الرئيس) للمجلس..!! هكذا.. متناسين كل الجهود التي بذلها الرئيس عبدربه وحكومته، والمعاناة الطويلة والمريرة التي عانوها مجتمعين طوال السنوات الثلاث الماضية من حين إقرار المبادرة الخليجية في (الرياض) في الثالث والعشرين من نوفمبر من عام 2011م.. ودعمها من المملكة وبقية دول مجلس التعاون والأمم المتحدة ومجلس الأمن بالغالي والرخيص.. من أجل الانتقال السلمي للسلطة عبر المؤسسات الدستورية.. وصناديق الاقتراع، وليس من قبل أقلية حوثية ضامرة في مجهل (صعدة).. لم يكن ليدري عنها أحد قبل عام 1992م.. لتفرض رأيها على كل (زيود) اليمن و(شوافعهم).. أو على كل اليمنيين على وجه الدقة!!
***
ففي الوقت الذي كان ينتظر فيه الرئيس عبدربه ورئيس حكومته خالد البحاح ووزراؤه في (عدن) نتائج جهود السفير بن عمر.. كان الحوثيون يعلنون عبر القنوات الفضائية الإيرانية وقناة الرئيس السابق عزمهم على الزحف إلى (عدن)، بعد أن حاولوا.. وفشلوا في الاستيلاء على (تعز) العظيمة في كبريائها، ثم أتبعوا ذلك بالإغارة على القصر الرئاسي في (عدن).. بهدف القضاء على (الرئيس) وحكومته.. وعلى (الشرعية) التي باتت تؤرقهم.. فلا يستطيعون الفكاك منها: نسياناً أو تجاهلاً.. أمام العالم، الذي أعطى (المبادرة الخليجية) كل دعمه السياسي والاقتصادي والاستشاري.. بل وانتدب مجلس أمنه بـ (كامل أعضائه) ولأول مرة في تاريخ الأمم المتحدة.. لعقد اجتماعه في صنعاء في السابع والعشرين من يناير عام 2013م، لحث أعضاء مؤتمر الحوار الوطني (الـ 565 عضواً).. الذين اختارهم الرئيس عبدربه من كل الطيف السياسي اليمني دون إقصاء لأحد.. للانخراط في أعمال لجانه التسع.. وصولاً لـ(مخرجاته)، التي ستشكل بنود الدستور اليمني الاتحادي الجديد، فكان الحوثيون الذين يريدون أن يحكموا اليمن (اليوم) على درجة من الهبل السياسي المضحك آنذاك.. عز نظيرها.. عندما اشترطوا لحضورهم أن يتم الإعلان مسبقاً عن حقهم في (تقرير المصير) وكأنهم (دولة مستعمرة) وليسوا (محافظة).. ومن الدرجة الثالثة..!!
لقد دفعت تلك الغارات الطائشة، والتي تمثل قمة جنون الحوثيين وهوسهم.. الرئيس عبدربه إلى الفرار من القصر بملابس نومه، وطلب التدخل العسكري الفوري من أصحاب المبادرة الخليجية، فاستجاب الخليجيون بقيادة المملكة.. بـ(عاصفة الحزم) دفاعاً عن الشرعية، واستعادة لليمن من هؤلاء الذين أجرموا في حقه وحق شعبه العزيز، والتي أراد بعض سماسرة القنوات الفضائية وتجار المزايدات بالأخبار تشويهها.. بأنها عاصفة استعلاء.. هدفها تقتيل اليمنيين وتدمير بنيتهم التحتية، التي نسي هؤلاء السماسرة.. أن المال الخليجي هو الذي أسهم في بناء معظمها.. إن لم يكن كلها!!
* * *
لقد أدت (عاصفة الحزم) دورها كاملاً.. خلال الأيام الماضية، وقرئت، وفهمت رسائلها إقليمياً ودولياً.. ولم يعد الأمر بحاجة إلى (تدخل بري) كما يرى البعض، ويطالب به.. وزير خارجية اليمن - الشرعي - الأستاذ رياض ياسين.. حتى لا تتحول (عاصفة الحزم) لتمكين الشرعية وإزاحة (الجماعة).. إلى حرب، لا تبقي ولا تذر.. إذ ليس من أهداف (عاصفة الحزم) تدمير (اليمن) أو تحويله إلى سوريا جديدة..!!، وعلى الأمم المتحدة وأمينها العام (بان كي مون) ومجلس أمنها الاضطلاع بمسؤولياتهم في اتخاذ القرارات السياسية التكميلية بانسحاب هذه الشرذمة الحوثية من صنعاء ومأرب وإب والحديدة.. والعودة إلى مواقعها في صعدة.. تحت البند السابع، لتجرى محاكمتهم - بعد ذلك - عبر محكمة الجنايات الدولية.. جراء خروجهم على إجماع الأمة، وتدميرهم لممتلكات الشعب اليمني وتقتيلهم لأبنائه وترميلهم لنسائه وتيتيمهم لأطفاله. فالذي ارتكبوه من جرائم وفظائع في حق الشعب اليمني.. لا يصح أن يمر - بحال - دون جزاء وعقاب رادعين.. ينسيهما الشهادتين.
***
أما الرئيس السابق علي عبدالله صالح، الذي احتفل اليمنيون بيوم تسليمه السلطة لخلفه عبدربه - في إبريل من عام 2012 -.. رغم عدم الحاجة لذلك، بعد أن تم انتخاب (عبدربه منصور هادي) للرئاسة اليمنية بـ97% من أصوات العشرة ملايين ناخب يمني.. وبعد أن حلف اليمين أمام المحكمة الدستورية وتسلم سلطاته فعلياً، إلا أن اليمنيين أرادوا بذلك تكريم جهوده في التنمية اليمنية وفي الدفاع عن (الوحدة) واستمرارها.. وهم يغضون الطرف عن سلبياته ومحسوبياته في توزيع المناصب والأراضي والثروة على أعوانه.. بل ومنحه (البرلمان اليمني) الضمانات التي طلبها حتى لا يلاحق قانونيا وقضائياً.. تكريما له ولتاريخه، فقد كشفت أحداث الواحد والعشرين من سبتمبر الماضي وما بعده - وبكل أسف -.. أنه كان رأس الأفعى بنفوذه العسكري الذي مكن الحوثيين من تمردهم على الشرعية، ومن كل ما ارتكبوه - فيما بعد - من فظائع وجرائم بحق الشعب اليمني وممتلكاته، وزاد من الطين بلة.. ذلك التقرير الذي بثته (قناة العربية) قبيل (العاصفة) بيومين، وهو يتحدث عن قدوم نجله (أحمد علي عبدالله صالح) إلى الرياض بـ (مطلب).. وحيد، هو: (رفع العقوبات المفروضة على والده من قبل مجلس الأمن)!!.. مقابل (الانقلاب على التحالف مع الحوثي، وتحريك خمسة آلاف من قوات الأمن الخاصة الذين يوالونه، وكذلك دفع مائة ألف من الحرس الجمهوري لمحاربة ميليشيات الحوثي وطردهم).. فبدا صغيراً في (مطلبه)، وحقيراً في المقابل الذي سيقدمه!!
لقد أراد اليمنيون.. أن يجعلوا منه صفحة ناصعة في تاريخهم، وأبى - بأفعاله - إلا أن يسقط من أيديهم إلى مزبلة التاريخ بـ(مطلبه) وبما (فعله).. إن صدقت رواية (الفضائية العربية)..!
- جـدة