الجزيرة - الرياض:
أكدت دراسة حديثة أن سياسة دعم استهلاك الطاقة الحالية في المملكة غير قابلة للاستدامة، ما يستدعي إجراء إصلاح شامل لبرامج دعم الطاقة بهدف رفع كفاءة وترشيد استهلاكها في القطاعات كافة، معتبرة أن أسعار الطاقة في المملكة من بين الأدنى على مستوى العالم بسبب الدعم الحكومي الكبير لاستهلاك الطاقة في القطاعين السكني وغير السكني.
وأشارت الدراسة إلى أن أسعار المشتقات النفطية محليا هي الأقل على مستوى العالم باستثناء فينزويلا، في حين يحصل القطاع الصناعي على سوائل الغاز الطبيعي بسعر منخفض لا يتجاوز 75 سنتاً لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، BTU، إضافة إلى تسعير متدن لاستهلاك هذا القطاع من النفط الخام والغاز الطبيعي والمشتقات النفطية.
وأشارت ورقة علمية قدمها الدكتور عبدالرحمن بن محمد السلطان أستاذ الاقتصاد في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في اللقاء السنوي الثامن عشر لجمعية الاقتصاد السعودية يوم أمس حول «تعزيز ترشيد وكفاءة استخدام دعم الطاقة بالمملكة» إلى تزايد استهلاك المملكة من مصادر الطاقة الأولية (النفط والغاز) بشكل متسارع، حيث بلغ استهلاك المملكة من مصادر الطاقة الأولية في عام 2012 نحو 4 ملايين برميل نفط مكافئ يوميا، بحيث أصبحت المملكة أكبر مستهلك للنفط الخام في الشرق الأوسط والعاشرة على مستوى العالم من حيث إجمالي استهلاك مصادر الطاقة الأولية، أي أن المملكة إنتاج المملكة من مصادر الطاقة الأولية بلغ في عام 2012 نحو 12.5 مليون برميل نفط مكافئ يوميا، بالتالي فالمملكة استهلكت نحو 32% من إنتاجها من النفط والغاز.
ولفتت الدراسة إلى أن التجارب الدولية تظهر أنه لا يمكن رفع كفاءة وترشيد استخدام الطاقة دون إصلاح نظام دعم الطاقة، الذي يمكن تحقيقه إما من خلال إنهاء دعم الطاقة بشكل كامل وتحرير أسواق الطاقة، أو من خلال برنامج تسعير يعيد هيكلة دعم مصادر الطاقة بما يضمن تحوله من دعم لاستهلاك الطاقة إلى دعم لمستهلكي الطاقة.
ورأت الدراسة أن أي إصلاح لنظام دعم الطاقة في المملكة يجب أن يراعي أنه في ظل التدني الشديد في أسعار مصادر الطاقة وفي القطاعات كافة فإن من غير المجدي إجراء رفع تدريجي في أسعار مصادر الطاقة ولا بد من رفع أسعار مصادر الطاقة بنسب عالية جدا تشجع بقوة على ترشيد ورفع كفاءة استهلاكها. وإن تصحيح الأسعار يجب أن يشمل مصادر الطاقة كافة، ما يضمن ترشيد ورفع كفاءة استخدام مصادر الطاقة في القطاعات كافة دون استثناء، وأنه في ظل التأثير السلبي الهائل لرفع أسعار مصادر الطاقة على ربحية المنشآت الصناعية ومستويات معيشة الأفراد فإنه لا بد أن يشتمل برنامج الإصلاح على تحويل نقدي يصرف وفق قواعد استحقاق مناسبة يتحول الدعم بموجبه من دعم لاستهلاك الطاقة إلى دعم لمستهلكي الطاقة، وأنه يجب ألا يترتب على هذا الإصلاح أي أعباء مالية جديدة على الدولة، وأن يضع برنامج الإصلاح هيكل زمني يضمن تخفيضا تدريجيا في مبلغ التحويل النقدي إلى أن يتلاشى تماما، ما يعطي مستهلكي الطاقة وقتاً كافياً للتكيف مع الأسعار الجديدة لمصادر الطاقة لكنه يؤدي في نهاية المطاف إلى إنهاء كامل للدعم الحكومي لاستهلاك الطاقة. وأخيراً أن يكون هناك إمكانية لإضافة سلع مدعومة أخرى إلى برنامج الإصلاح، كالماء والخبز مثلا، ما يضمن ترشيد استهلاكها وبالتالي تحقيق رفع شامل لكفاءة استخدام الموارد الاقتصادية كافة وليس فقط مصادر الطاقة.
واقترحت الدراسة أن يستهدف برنامج الإصلاح في مرحلته الأولى تحويل إلى دعم لمستهلكي الطاقة بدلاً من كونه دعماً لاستهلاك الطاقة، لكن مع مرور الوقت يجب أن يفرض برنامج الإصلاح تخفيض تدريجي في الدعم الحكومي لاستهلاك الطاقة في القطاعات كافة يتزايد معه العبء المالي الذي يتحمله مستهلكو الطاقة أنفسهم إلى أن يتم تحرير أسوق الطاقة بشكل كامل وتنتهي أشكال الدعم الحكومي كافة في هذا القطاع.
وذكرت الدراسة أن هذا المزيج يتحقق من خلال إحداث رفع كبير في أسعار مصادر الطاقة في القطاعات كافة مع تحويل نقدي مباشر للمستهلكين يعوضهم بشكل كامل عن أي تأثير سلبي لزيادة تكلفة الطاقة عليهم وفق آلية استحقاق مناسبة، لكنه يضع برنامجا زمنيا يفرض تخفيضا تدريجيا في مبلغ التحويل النقدي مداه خمس عشرة سنة، تصبح أسعار مصادر الطاقة في نهايته محررة تماما وغير مشتملة على أي دعم حكومي.
ففي مقابل رفع أسعار مختلف مصادر الطاقة من نفط خام وسوائل غاز وغاز طبيعي ومشتقات نفطية وكهرباء بما يوصلها فوراً إلى معدلاتها العالمية، تعوض منشآت والمستهلكين من خلال تحويل نقدي يعادل الفرق بين تكلفة استهلاكهم من مختلف مصادر الطاقة في آخر عام قبل إقرار إصلاح نظام دعم الطاقة وبين ما ستتحمله ثمناً للكميات نفسها وفق الأسعار الجديدة، لكن مع تخفيض تدريجي سنوي في مبلغ التحويل النقدي بحيث يتلاشى تماماً بمرور خمس عشرة سنة على إطلاق برنامج الإصلاح، ليصبح مختلف مستهلكي الطاقة في المملكة، متحملين لكامل تكلفة الطاقة التي يستهلكونها دون أي دعم حكومي.
ويمتاز برنامج الإصلاح الذي اقترحته الدراسة أنه يجمع بين رفع الأسعار وحماية مستهلكي الطاقة وإنهاء الدعم الحكومي، وفق برنامج إصلاح مدته خمس عشرة سنة يتلاشى في نهايته الدعم الحكومي لاستهلاك الطاقة، وتصبح أسعار مختلف مصادر الطاقة محررة وتخضع لقوى العرض والطلب ومتوائمة مع معدلاتها عالميا، وأنه أسلوب مناسب لتفادي إجراء رفع تدريجي في أسعار مصادر الطاقة لا يؤثر على مستويات الطلب بأي صورة مقبولة، فمثل هذا التأثير ممكن فقط من خلال رفع كبير وآني في أسعار مصادر الطاقة.
أما بالنسبة للمدى الزمني لبرنامج إصلاح نظام دعم الطاقة الذي اقترحته هذه الدراسة والبالغ خمسة عشر عاما فقد أشارت الدراسة إلى أنه مدى ليس ملزما، ويمكن أن تكون الفترة الزمنية المختارة أطول أو أقل من ذلك، بحسب ما قد يُرى أنه فترة مناسبة لتكيف المستهلكين في القطاعين السكني وغير السكني مع ارتفاع أسعار الطاقة.