سلمان بن محمد العُمري
الإنسان مخيّر، أمامه طريقان مفتوحان: طريق للخير وطريق للشر، وهو يختار حسبما يهديه إليه رب العباد، فإما أن يسلك طريق الخير، ويكون نوراً وإشعاعاً في هذه الحياة، ومصدراً لسعادة نفسه وسعادة الآخرين من حوله.
يقول أنس بن مالك -رضي الله عنه-: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر، وإن من الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير، فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه»، رواه ابن ماجه وهو حديث صحيح، يلخص القضية بأكملها، فبعض البشر على أياديهم البيضاء تفتح أبواب الخير، وتكون أفعالهم وأقوالهم وأعمالهم وسلوكياتهم كلها مبعثاً لأفعال الخير، بحيث يقطر منهم الخير حيثما حلو وحيثما كانوا، وترى النور يشع في وجوههم، وعرفهم بسيماهم، فهم أهل الخير وأصحابه، وبالطبع يوجدون في كل عصر وزمان، وهم بيننا الآن، يعملون ويعيشون الحياة كما نعيشها، ولكنهم عرفوا سر السعادة من خلال فعل الخير، قد لا نعرفهم ولكنهم موجودون، وهم الذين بواسطتهم بعد الله تعالى تتقدم حياة البشر وتتحقق سعادتهم، وتبنى حياتهم من طيب إلى أطيب.
وعلى العكس من هؤلاء، هناك أناس يربطهم ويحملهم فعل الشر أو قوله، فسلوكهم وعملهم لا يتجاوز تلك الدائرة المغلقة المظلمة، دائرة الشر والسواد، وهؤلاء يجرون أنفسهم ومن حولهم نحو التعاسة والشقاء والبؤس والبوار -والعياذ بالله-، وذلك في الدنيا والآخرة.
فللفئة الأولى، فئة الخير، التي يغلق الله بها أبواب الشر، وعلى أياديها يفتح إليه أبواب الخير، نقول: طوبى لكم، وثبتكم الله على دينه الحنيف، وأبقى لكم هذه السعادة الأزلية، وأفاد البشر بخيركم، وللفئة الثانية التي تغلق بأيديها أبواب الخير، وعلى أيديها السوداء تفتح أبواب الشر، نقول: بئس والله صنيعكم، وبئس ما تفعلون، ومآلكم إلى الخسارة والندم إما في الدنيا أو في الآخرة، وعلى هذا ندعو لكم بالهداية، فهذا أقصى حقكم علينا، وأقصى ما يمكن أن تحكموا به، فلو هداكم الله تعالى لنلتم خير الدارين ونعيمها، ولن تعرفوا السعادة ما دمتم ترتعون وتركضون في مضمار الشر.
إننا نعرفها حقيقة، قول الله تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }[القصص:56]، فهداية الإلهام والتوفيق أمر بعيد عن إطار البشر وقدراتهم، والله سبحانه جعل البشر أسباباً للهداية، وأمرهم بهداية الدلالة والإرشاد، وأولئك الذين يقومون بفعل الهداية بعون الله وتوفيقه إنما هم مفاتيح للخير مغاليق للشر، وخيرهم يعم ويكبر، لأنه لا يرتبط بظرف أو مناسبة أو لحظة معينة، وإنما هو حياتهم ومعيشتهم وكل ما يسعون له.
وبطبيعة الحال فإن الخير وأصحابه، ورغم السعادة الحقيقية التي يعيشونها، فإنهم ليسوا بمنأى عن الصعوبات والمشاق التي تعترضهم، لا بل إنهم من أكثر البشر عرضة لمصاعب الحياة الدنيا، وحتى الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه قد ابتلوا، وعانوا، وقاسوا ما قاسوا، وعرفوا مصاعب لم يعرفها بشر، ولكن صبروا حتى جاء نصر الله، وما نصر الله ببعيد، والله على كل شي قدير، ومعاناتهم إنما وجدت لما في قلوبهم من الشفقة بالخلق، والإحسان إليهم، وإرادة الخير لهم، ورؤيتهم كثيراً من الناس يتساقطون صرعى في الطريق الموصل إلى النار بلا وعي أو رشاد، عندها يزداد ألم هذه الصفوة من البشر كلما ازداد إعراض فئام من البشر عناداً أو إعراضاً.
لذلك صدق ما شاع بين البشر من أن فعل الشر سهل قريب، وأن فعل الخير صعب يحتاج لصبر وقوة إرادة، وبوجود العزيمة يصبح سهلاً، وسلوكاً يومياً، بحياة البشر.
تلك هي الرسالة، رسالة الخير، ولن أقول للشر رسالة بل رسالة للخير، اقتصر عليها وأوجهها لأهل الخير، وأدعو أن يكثر الله أمثالهم، ويبارك بأعمارهم، ويكثر من نعمهم في هذه المملكة الغالية، وفي كل بقاع الأرض إلى ما شاء الله.
وتلك الرسالة هي الطموح والأمل الذي نحلم ونعيش عليه، لأننا عرفنا الخير، وندعو الله أن يديمه علينا وعلى كل المسلمين، وأعود وأؤكد أنه كما أن الحلال بيّن، والحرام بيّن، فإن طرق الخير واضحة، وسبل الشر معروفة، والعاقل خصيم نفسه، ولكن لا يميز ذلك إلا من هدى الله، والله من وراء القصد.