د.محمد الشويعر
أم عمارة: نسيبة بنت كعب بن عوف المازنية الأنصارية، من بني النجار, صحابية، اشتهرت بالشجاعة, تعد من أبطال المعارك, تزوجها في الجاهلية زيد بن عاصم المازني، ومات عنها فتزوجها غزية بن عمر المازني. ولما ظهر الإسلام أسلمت وشهدت بيعة العقبة وأحدا والحديبيّة وخيبر وعمرة القضية وحنينا، وسمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحاديث. وكانت تخرج إلى القتال، فتسقي الجرحى وتقاتل, وأبلت يوم أحد بلاء حسنا، وقد توفيت بالمدينة عام ثلاثة عشر من الهجرة رضي الله عنها. [الإعلام 8: 334].
قال محمد بن سعد في طبقاته: قالت أم عمارة نسيبة بنت كعب: شهدت عقد النبي صلى الله عليه وسلم والبيعة له ليلة العقبة, وبايعت تلك الليلة مع القوم. قال محمد بن عمر:
شهدت أم عمارة بنت كعب أحدا مع زوجها غزية بن عمرو وابنيها وخرجت معهم بشن لها في أول النهار تريد أن تسقي الجرحى, فقاتلت يومئذ وأبلت بلاء حسنا، وجرحت اثني عشر جرحاً، بين طعنة برمح أو ضربة بسيف، فكانت أم سعيد بنت سعد بن ربيع تقول: دخلت عليها فقلت حدثيني خبرك يوم أحد، قالت: خرجت أول النهار إلى أحد وأنا أنظر ما يصنع الناس، ومعي سقاء فيه ماء، فانتهيت إلى رسول الله وهو في أصحابه، والدولة والريح للمسلمين. فلما انهزم المسلمون انحزت إلى رسول الله فجعلت أباشر القتال وأذب عن رسول الله بالسيف، وأرمي بالقوس حتى خلصت إلى الجراح. قالت: فرأيت على عاتقها جرحا له غور أجوف. فقلت: يا أم عمارة من أصابك هذا؟ قالت: أقبل ابن قميئة؛ وقد ولى الناس عن رسول الله، يصيح: دلوني على محمد فلا نجوت إن نجا. فاعترض له مصعب بن عمير وناس معه. فكنت فيهم فضربني هذه الضربة ولقد ضربته على ذلك ضربات ولكن عدو الله كان عليه درعان.
فكان ضمرة بن سعيد المازني يحدث عن جدته. وكانت قد شهدت أحدا تسقي الماء. قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لمقام نسيبة بنت كعب اليوم خير من مقام فلان وفلان، وكان يراها يومئذ تقاتل أشد القتال، وإنها لحاجزة ثوبها على وسطها حتى جرحت ثلاثة عشر جرحاً، وكانت تقول: إني لأنظر إلى ابن قميئة وهو يضربها على عاتقها. وكان أعظم جراحها فداوته سنة. ثم نادى منادي رسول الله إلى حمراء الأسد فشدت عليها ثيابها فما استطاعت من نزف الدم. ولقد مكثنا ليلتنا نكمد الجراح حتى أصبحنا. فلما رجع رسول الله من الحمراء ما وصل رسول الله إلى بيته حتى أرسل إليها عبد الله بن كعب المازني يسأل عنها فرجع إليه يخبره بسلامتها, فسر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم.
وقالت أم عمارة: قد رأيتني وانكشف الناس عن رسول الله فما بقي إلا في نفير ما يتمون عشرة. وأنا وأبنائي وزوجي بين يديه نذب عنه. والناس يمرون به منهزمين, ورآني لا ترس معي فرأى رجلا موليا معه ترس, فقال لصاحب الترس: ألق ترسك إلى من يقاتل. فألقى ترسه فأخذته فجعلت أتترس به عن رسول الله. وإنما فعل بنا الأفاعيل أصحاب الخيل. لو كانوا رجالة مثلنا أصبناهم إن شاء الله. فيقبل رجل على فرس فضربني وتترست له فلم يصنع سيفه شيئا. وولى. وأضرب عرقوب فرسه فوقع على ظهره, فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصيح: يا بن أم عمارة أمك أمك! قالت: فعاونني عليه حتى أوردته شعوب. أي حتى مات. [طبقات ابن سعد 8: 413-414].
قال عنها الذهبي: الفاضلة، المجاهدة، الأنصارية، الخزرجية، النجارية، المازنية، المدنية, كان أخوها عبد الله بن كعب المازني من البدريين، وكان أخوها عبد الرحمن من البكائين, شهدت أم عمارة: يوم اليمامة، وجاهدت، وفعلت الأفاعيل, وقطعت يدها في الجهاد... قال ابنها عبد الله بن زيد: جرحت يومئذ جرحا، وجعل الدم لا يرقأ. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اعصب جرحك». فتقبل أمي إلي ومعها عصائب في حقوها، فربطت جرحي، والنبي صلى الله عليه وسلم واقف، فقال: «انهض بني، فضارب القوم», وجعل يقول: «من يطيق ما تطيقين يا أم عمارة؟!»... فأقبل الذي ضرب ابني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا ضارب ابنك». قالت: فأعترض له، فأضرب ساقه، فبرك. فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتسم حتى رأيت نواجذه، وقال: «استقدت يا أم عمارة». ثم أقبلنا نعله بالسلاح حتى أتينا على نفسه, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الحمد لله الذي ظفرك».
وابنها حبيب هو الذي قطعه مسلمة, أما ابنها الآخر عبد الله بن زيد فهو الذي قتل مسيلمة الكذاب بسيفه, وهو الذي حكى وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه البخاري في الوضوء, باب الوضوء مرة مرة, وباب مسح الرأس كله, ومسلم في الطهارة. باب وضوء النبي صلى الله عليه وسلم, وغيرهما من كتب الحديث, وقد مات مقتولاً يوم الحرة.
ذكر كحالة في كتابه أعلام النساء: قيل لأم عمارة : هل كن نساء قريش يومئذ يقاتلن مع أزواجهن؟ فقالت: أعوذ بالله لا، والله ما رأيت امرأة منهن رمت بسهم، ولا بحجر، ولكن رأيت معهن الدفاف، والأكبار يضربن، ويذكرن القوم قتلى بدر ومعهن مكاحل، ومراود، فكل ما ولى رجل أو تكعكع ناولته إحداهن مرودا ومكحلة، ويقلن: إنما أنت امرأة، ولقد رأيتهن، ولين منهزمات مشمرات، ولها عنهن الرجال أصحاب الخيل، ونجوا على متون الخيل يتبعن الرجال على الأقدام، فجعلن يسقطن في الطريق، ولقد رأيت هند بنت عتبة، وكانت امرأة ثقيلة، ولها خلق، قاعدة خاشية من الخيل ما بها مشي، ومعها امرأة أخرى حتى كر القوم علينا، فأصابوا ما أصابوا.
وعن مشاركتها في حرب اليمامة, وتقدير خالد بن الوليد لدورها البطولي في هذه المعركة قال: وقد شهدت أم عمارة بيعة الرضوان ثم شهدت قتال مسيلمة باليمامة, وذلك لما تهيأ خالد بن الوليد في مبعثه لليمامة, جاءت إلى أبي بكر رضي الله عنه, فاستأذنته فى الخروج مع الجيش، فقال لها: قد عرفنا بلاءَكِ فى الحرب، فاخرجي على اسم اللّه. وأوصى خالدَ بن الوليد بها خيرًا، وفي المعركة جاهدت وأبلت أحسن البلاء، وجُرحت أحد عشر جرحًا وقُطِعَتْ يدها، ولما انقطعت الحرب وصارت أم عمارة إلى منزلها, جاءها خالد ابن الوليد يطلب من العرب مداواتها بالزيت المغلي، فكان أشد عليها من القطع، وكان خالد بن الوليد كثير التعهد بها, حسن الصحبة يعرف حقها ويحفظ فيها وصية النبي صلى الله عليه وسلم, ولما قدمت المدينة وبها الجراحة رؤي أبو بكر يأتيها يسأل عنها, وهو يومئذ خليفة. [أعلام النساء 5: 174] وكان عمر يرى لها هذه المكانة ويكرمها.
وقد روت أم عمارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث وروى عنها ابنها عباد بن تميم بن زيد, والحارث بن عبد الله بن كعب, وعكرمة مولى ابن عباس, وغيرهم, وجاءت أحاديثها عند الترمذي والنسائي وابن ماجه, كما كانت فقيهة عالمة بأمور دينها, وكثير من الفقهاء يشتبهون بينها وبين أم عطية, وقد نقل عنها ابن قدامة مسائل فقهية كثيرة مستوحاة من الأحاديث التي روتها عن رسول الله صلى الله عيه وسلم.
وقد روى عكرمة عن أم عمارة, أنا أتت النبي صلى الله عليه وسلم, فقالت: يا رسول الله ما أرى كل شيء إلا للرجال وما أرى النساء يذكرن, فنزل قول الله تعالى: {إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات} الآية. [أعلام النساء 5: 175].
وقال ابن كثير في تفسيره أن الذي قال ذلك أم سلمة: يا نبي الله ما لنا لا نذكر في القرآن كما يذكر الرجال؟ وذكر الحديث بتمامه. ثم قال حديث آخر قال ابن جرير حدثنا عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النساء للنبي صلى الله عليه وسلم : ما لنا يذكر المؤمنين ولا يذكر المؤمنات فأنزل الله: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} الآية [تفسير ابن كثير 3: 487].
وقد روت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث الصيام التي جاءت في كتب الحديث قال ابن سعد قالت أم عمارة: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم عائداً، لي فقربت إليه طفشيلة وخبز شعير قال: فأصاب منه، وكان بعض من عنده صائماً, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أكل عند الصائم الطعام صلت عليه الملائكة». [طبقات ابن سعد 8: 416]. ولها فضائل كثيرة رضي الله عنها.