د.ثريا العريض
في إطار اجتماع القمة بشرم الشيخ, وقرار تأسيس القوة العربية للدفاع المشترك, أجدني وابني هاشم خريج برينستون وهارفارد, نتحاور متأملين وضع دول مجلس التعاون ومساعي الصعود به إلى مستوى الاتحاد لتكتمل الفاعلية الاقتصادية والسياسية والتنموية.
اتفقنا أن «عاصفة الحزم», وتمسكنا رسمياً بحماية الشرعية والاستقرار في الجوار يوضحان ضرورة أن يضم اليمن تحت مظلة اتحاد يشمل شبه الجزيرة العربية ويضمن حماية سواحلها كلها من أي خطر يتهددها من عدو مترصد يحاول اختراق أمنها بالغزو أو اختراق الولاء. وإننا لم نعد مجتمعاً صحراوياً معزولاً في واحات بسيطة, أو سكان سواحل بدائية حضارياً تعتاش من البحر وفائض عابري طرق التجارة.
حالياً مثل كل مناطق العالم الأخرى لا نعيش في فراغ حضاري, ولا يمكن أن نفعل ذلك لأنه حكم بالتحجر وبالتالي الخروج عن سباق التنمية القائم على قدم وساق في العالم كله. ومثل غيرنا من التجمعات البشرية تعيش منطقتنا تداعيات وتداخلات الجغرافيا والتاريخ والاقتصاد, وتأثيرات بوتقة تسييس الدين والتفاعل مع مصالح القوى الأخرى في العالم, ومستجدات العلاقات البينية.
في العالم أدت العلاقات الجديدة بعد حربين عالميتين إلى تراجع نظام الإقطاع والاستعمار الاقتصادي والهيمنة العسكرية الأوروبية على بقية العالم. استجدت دول سيادية, وبرزت أمريكا كقوة عظمى منفصلة عن أوروبا, وتكون الاتحاد السوفياتي كقطب ينافسها على الهيمنة عالمياً. واتضحت الحاجة إلى استمرار التحالفات حيث مقابل الاتحاد السوفييتي ظهر حلف الناتو.
منذ ذلك الحين تنامت أهمية التحالف الاقتصادي والسياسي في كل أنحاء المعمورة مدعومة بنمو التقنية والمكتشفات التي غيرت العلاقات وسبل التواصل: نهضت اليابان من عزلتها بعد الهزيمة كقوة اقتصادية صناعية منافسة لأوروبا وأمريكا, وتبعتها دول النمور الآسيوية حيث نعايش الآن مراكز القوة الشرقية القادمة.
استطاعت دول أوروبا التغلب على ميراث حروبها ونزاعاتها واستقرت سياسياً وعسكرياً, ولكن الضمور الاقتصادي بدأ يتسلل إلى مداخيلها. وإذا كان حلف الناتو يحميها من أطماع روسيا عسكرياً فقد أدت الحاجة لحماية اقتصادها إلى تكوين الاتحاد الأوروبي مركزاً على استدامة النمو الاقتصادي.
في المنطقة العربية أهم ما حدث كان الخروج من تبعية الدولة العثمانية والوقوع تحت سيطرة القوى الأوروبية, وسرقة أرض فلسطين لخلق إسرائيل, وأحلام خارطة الشرق الأوسط الجديد التي ما زالت تنفذ منذ رسمتها طموحات الصهيونية في ثلاثينات القرن الماضي.
إقليمياً في منطقتنا العربية تركت فترة الاستعمار ميراثها حضارياً وعلمياً وثقافياً, فكونت طبقية فكرية واقتصادية بنت حواجز بين فئة الأثرياء التي قلدت مظاهر الحياة الارستقراطية الأوروبية, وطبقة المتعلمين الذين تبنوا فكر التنوير الغربي, وطبقة الأغلبية الكادحين, في معادلة اجتماعية إقطاعية محبطة لأبناء الطبقة الدنيا. وفي منطقتنا الخليجية رسّمت حدود الجوار القبلي على مضض من جميع الأطراف المعنية, خاصة وقد تكشفت الأرض عن حقول تحتها ثروة نفط محسودة, تعرّض المنطقة لصراعات لا تكاد تنتهي. وتجد دائماً من ينفخ على أي شرارة أو تصدع ليزيد اشتعالاً وتفتتاً.. مما يسبب عواصف مستمرة ومرهقة لمواطنيها المرتبطين عبر الحدود بوشائج عائلية وقبلية.