د.ثريا العريض
قبل أن أنام ليلة الخميس الماضي كان آخر ما سمعت في نشرة الأخبار أن الحوثيين يحاصرون تعز ومتجهون لعدن حيث نقلت الحكومة اليمنية الشرعية بعد أن استقر بها الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي هارباً من احتجازهم له. كما وصلتنا أخبار المناورات الحوثية عند الحدود الشمالية لليمن. لم أعرف عن انطلاق «عاصفة الحزم» إلا صباح اليوم التالي إذ تكثف حولها طوال الليل حوار الساهرين للتواصل الاجتماعي في الواتساب والفيسبوك وتويتر والفضائيات. وبينما كنت نائمة في هدوء الجهل بما يجري نجحت السعودية وحلفاؤها في تدمير مواقع الحوثيين بغارة حققت أهدافها في أول ربع ساعة.
ملاحقتي بعد ذلك للمصادر الإخبارية المختلفة ذكرتني بعاصفة أخرى: «عاصفة الصحراء» عام 1991 عندما أغارت قوات تحالف قادته أمريكا فجراً لتحرر الكويت من براثن الغزو العراقي. قبلها بستة أشهر في صيف 1990 كنا في سويسرا في اجتماع عمل ولم يكن هناك شبكات تواصل فقط قناة فضائية جديدة هي السي أن أن. ونحن في طريقنا للوطن قررنا التوقف بضعة أيام في لندن قبل أن نرجع الى الظهران عائدين وأطفالنا. وصلنا لندن ليلا وصحوت على ابني هاشم يهزني ليوقظني: «ماما .. ماما العراق دخلت الكويت ويقول التلفزيون أنهم سيأتون ليضربونا في السعودية». احتجت بضع ثوان لأستوعب كلامه الطفولي, وأقفز لأتابع السي أن أن حيث بيتر برنيت يشير الى خارطة الخليج والظهران بالذات مكررا أنها المحطة القادمة لجيش صدام.
وظللت قلقة متشوشة ملتصقة بالتلفزيون لأربعة أيام متواصلة أتابع الأخبار وكأن الظهران ستطير من الخارطة لو رفعت عيني عنها. بعد وصولنا الظهران قرر زوجي وحشد كبير من المواطنين الالتحاق بالتدريب العسكري, واصطحب هاشم. هناك لفت وجود طفل انتباه مراسل قناة الان بي سي الأمريكية, الذي قرر أن يسجل مقابلة مختلفة معه كأصغر المتدربين، طفل في الحادية عشرة من عمره. وضمنها سأله: كيف تحمل هذا السلاح الثقيل هل تحب الرماية؟ أجابه بعفوية: لا أحب الرماية ولكن هناك جيش شرير يهددنا؛ وأنا أتدرب للدفاع عن وطني؛ فيما لو قرر أن يهاجمنا!
كبر الطفل والوطن إطاره للخير الذي يجب أن ندافع عنه ضد من يهدده.
هاشم الآن شاب ناضج يحمل مسؤولية أسرته الصغيرة, مثله مثل وزير دفاعنا الشاب الذي رفض أن يهدد الوطن جار حوثي متكئ على دعم إيران, متهور عمي عن رؤية سبب الدعم متجذراً في أحلام الهيمنة إقليمياً. فاجأه سمو الأمير محمد بن سلمان, سلمه الله, بغارة لم يتوقعها لا هو ولا داعمه, ونجح في إخراس تهديداتهم لأمن السعودية, ليحمي هيبة الشرعية واستقرار الجوار. الحمد لله على نجاح الحزم في إيصال الرسالة. كان الأفضل للحوثي لو أنه سمع صوت العقل والأخوة ولبى الدعوة للحوار مع مواطنيه اليمنيين عندما اتسع صدر الرياض لاحتضان اللقاء. ولكنه استكبر.
بين «عاصفة الصحراء» و«عاصفة الحزم» كبر جيل هاشم، وكبر الوطن وقدراته البنائية والدفاعية والتخطيطية. لم يعد مضطرًا أن ينقذه الغرب من ورطة اعتداء جار غاشم ينسى وشائج عروبته, أو قيم إسلامه, ويجور على أشقته وجيرانه. نضج الوطن ليصبح قادراً بجيشه وقواته ضمن تعاون أشقائه أن يرد التهديد قبل أن يتجرأ المعتدي على اقتحام الحدود.
فشكراً لحماة الوطن على حسن أدائهم.
وشكراً لقائدهم الشاب على حزم قراره وجرأة تنفيذه. وشكراً لمن ساند من الجوار القريب, أو أيد من بعيد.