د. خيرية السقاف
عُرف مجتمعنا بحبه للقهوة، وللشاي..
وأنا ممن لا تتفاعل مخيلتي، ولا تتحرك سنة قلمي دون أن يكون الشاي رفيق جلستي، وأنيس فكرتي..!
لذا شغفت بما فعل سليمان العبيداء، وزوجه في مهرجان «الكليجا» بالقصيم، حيث جعلا من ركنهما في المهرجان للشاي والقهوة مزاراً، واستراحة للأفراد، والعوائل يحتسونهما فيه بنكهة البيت، وحميمية العلاقة، ومذاق التعود...!
هذا الرجل سليمان يمتهن إعداد الشاي، والقهوة لخمسة وعشرين عاماً في عمله الحكومي..، ثم ها هو يبتكر ركنه في المهرجان برفقة زوجه التي قاسمته المهنة سبع سنوات..، يكسران فيه حواجز التردد، وخشية الفشل، ويقتحمان ساحة الظهور، والحبور..، فينعمان بسعادة الناس، وبهجة الاستمتاع بعادة جميلة توارثها المجتمع، ولا يتخلّى عنها أفراده..
في المهرجان تحول ركنهما لمستقطِب يأوي إليه الجائلون بعد عناء ليستروحوا على أبخرة شاي، وقهوة العبيداء، وزوجته..، حتى غدا متكأ آمناً مطمئناً.. مدهشاً، جاذباً، ولافتاً...
وأنا أقرأ عن هذا الركن ما تمنيت إلا أن أكون واحدة ممن اتخذ فيه متكأ، لأبسط فيه أوراقي، وأحلق على أبخرة فناجيلهما نحواً بعيداً.. لهناك حيث نصطاد الدهشة، وننسج من المخيلات أحلام الممرات التي تقلنا إلى آمادها خطوط أبخرتها..!
ذكّرني ركن العبيداء، وزوجه للقهوة، والشاي بمركى جدتي لأمي، حيث كانت تعد في ركنها «تختة الشاي»، وهناك تعلمنا كيف يكون لمذاقه قصة..،
أيامها تلك كلما قالوا الشاي ركضنا نتحلّق، وهي تديره بين الجالسين، لكننا لم نشربه صافياً كالتبر إلا بعد أن كبرنا..، أما حينها فكانت تخلطه لنا بالحليب لأنها كانت تقول: «الصغار لا يحتسون الشاي»..!! ولم أكن أعي سبباً لهذه المقولة والفعل..
لكنها كانت تمرر رفضها باستثنائه عند رجائنا المتكرر بعد مزجه بالحليب..،
وعندما قدمت لنا أول فنجان شاي صافياً دون الحليب عرفنا أننا كبرنا...!!
كبرنا، والشاي هو الشاي..، لكننا لسنا الذين كنا..!!
ما زال الشاي هو الشاي الجاذب المنعش، ذا المذاق والنكهة، وسر الطعم والدهشة..!
وبقيت أبخرته سفناً تبحر بنا..، مع أن البوصلات قد اختلفت بنا..!!
واندثرت «تختة شاي ستي»..!!
تحية لسليمان العبيداء، ولزوجه الفاضلة،..
تحية لهما الطموحين العصاميين،..
من على مرآة أبخرة قهوتهما، وشايهما كتبتُ هذه السطور..!