إبراهيم عبدالله العمار
كم أستغرب من المنافع التي يضيعها الإنسان إذا اتّبع هواه.
لا أتكلم فقط عن شؤون الآخرة، وإن كان هذا هو الأهم. هنا إذا اتّبع الإنسان شهواته أرْدَته وأهلكته، وأقل شيء أن تضعه مكان ذل وهوان على نفسه وعلى الناس، وقد أتى الدين ليحمينا من أنفسنا ويبين لنا حدود تلك الرغبات المزروعة فينا وكيف نرضيها بالحلال وبشكل معقول. مثلاً، الأكل مبرمج فينا، وإذا اتبع الإنسان هواه فأكل كثيراً خسر صحته وربما حياته، وأمراض القلب والسرطان والسكر وغيرها استفحلت في البشر غالباً بسبب الأكل السيئ والكثير، وقد أرشدنا الرسول صلى الله عليه وسلم لكيفية تهذيب هذه الحاجة فقال: «ما ملأ آدمي وعاءً شراً من بطنه، بحسب ابن آدم أكلات يُقِمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفَسه».
لكن أتكلم أيضاً عن شؤون الدنيا، وخذ الرياضة مثلاً. لعل أكبر أسباب عدم ممارسة الناس للرياضة مشقّتها، لكن المشي ليس شاقاً للأكثرية، والكثير يقول أيضاً إن الوقت لا يتيح، وهو عذر ضعيف بل ميت. لو قلتَ لمن لا يتريّض: إن الرياضة - كالمشي - تقوي العضلات والعظام وتحارب السرطان وأمراض القلب وتزيل الآلام وتحسّن النفسية وتطيل العمر وتحمي المخ بإذن الله.. إلخ (واسرِد من فوائد الرياضة)، وأنه يجب ممارستها 5 مرات في الأسبوع نصف ساعة في اليوم، لظل هذا الشخص متكاسلاً لأنها شاقة. لكن لو قلتَ له: لو مشيتَ نصف ساعة يومياً فسأعطيك صندوقاً مليئاً بالذهب، فحينها سيتبخر عذر الوقت وسيجد هذا الشخص ليس نصف ساعة فقط بل 4 أو 5 ساعات يمشي كل يوم!
إنه الهوى. النفس تفضل الراحة واللذة العاجلة على المنافع والمكارم.
لو قلتَ لشخص: اشرب الماء، لقال: لا أشتهيه. فتقول: إن الماء يزيل الآلام وينظف الجسم من السموم ويزيد الطاقة ويكافح الالتهابات ويحمي من أمراض كثيرة جداً منها أمراض القلب والسرطان والسكر، فيهز كتفيه بلا مبالاة ويغمغم: لا أحب طعم الماء. ويأخذ في شرب الغازيات والشاي والقهوة فيدمّر جسمه ببطء حتى تظهر الأمراض التي يسببها قلة شرب الماء. لو قلتَ له: «اشرب الماء كل ساعة وسأعطيك جزيرة في أوروبا» فسيعشق الماء وسيشربه كل ساعة بلا توقف!.
قل له يخفف الأكل الضار كالمطاعم السريعة والحلويات والسموم البيضاء الثلاثة (الرز والدقيق والسكر)، يخفف منها ولو قليلاً ويضيف الأكل النافع لغذائه كالخضراوات والبقول لَتذمّر وعاند، وقال إنه لا يحب طعمها ولم يتعوّد عليها، لكن إذا وعدناه بسيارة فاخرة وقصر فلن يخفف أكله الضار فحسب بل سيقطعه تماماً ولن يأكل إلا الأكل الصحي كل يوم! مرة أخرى.. إنه الهوى. انظر كيف يضرك ويجعلك تستبدل صحتك بمتعتك.
أيها الكرام، قال الشاعر:
لولا المشقة سادَ الناسُ كلهم
الجود يُفقر، والإقدام قَتَّال
وخير الكلام كلام الله، فقال تعالى: إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ (53) سورة يوسف. ليست تأمر بالسوء لآخرتك فقط بل دنياك أيضاً. روّض شهوتك، جاهد نفسك، اكبح هواك، وستجد السعادتين.