أوشك عنترة أن يثنيه اليأس عن الاستمرار في رحلته بحثاً عن النوق العصافير.. حتى رحلته إلى الملك النعمان لم تأتِ بثمارها.. جاب الأرض يسأل كل من يلقاه عنها بلا جدوى.. لكن تعلقه بعبلة دفعه للاستمرار.
لقي في واحة، نزل ليرتاح بها، عجوزاً سألته وهو يترجل عن ظهر الأدهم إذا كان قد بلغ غايته؟.. لم يبدِ دهشته وهو يسألها عن سبب السؤال.. أجابت وهي تضحك بأنها قرأت رحلته الطويلة على وجهه مذ رأته.. ثم طلبت منه أن يخبرها بقصته؛ علَّها تكون له عوناً..
روى لها قصته وهي تنصت باهتمام.. ثم فكرت قليلاً، وطلبت منه أن يعود لها بعد خمس ليال.. تعلق عنترة بالأمل.. وقرر أن يعود لها في الموعد المرصود..
وحين اكتملت الليالي بشرته العجوز بأن النوق في قرية وصفتها له، يحرسها ثلة من الشياطين، وعليه أن يقاتلهم من أجلها.. اندفع عنترة من فوره إلى حيث دلته..
وهناك، وبعد أن استطاع أن يقهر حماة النوق.. ساقها أمامه، وقد أحس بأن الدنيا قد دانت له.
وما إن حط الرحال في مضارب القرية يمم شطر «مالك»؛ ليخبره بنجاحه في مهمته.. ويطلب منه أن يفي بوعده.. لكنه وجد «عمارة» قد سبقه إلى هناك ومعه مئة من النوق العصافير وقد بدت تحت وهج الشمس كأنها قدة من فضة.. وقد أحاط بها الجمع مهللاً ومرحباً..
حاول عنترة أن يشرح لهم ما وجده من صعاب لكن مالكاً لم يعره انتباهاً..
وأشار إلى بعض تابعيه.. فما كان منهم إلا أن ألقوا الماء على نوق عنترة.. ووسط دهشة الجميع زال عنها لونها الأبيض.. ارتفعت ضحكات مالك وعمارة.. انتقلت عدوى الضحك للجميع. ووسط صخب الضحكات المتعالية من حوله انسحب عنترة من وسط الجمع. امتطى حصانه.. ولم يره أحد بعد ذلك.
- هشام السحار