د. خيرية السقاف
في دفتر الأيام عديد من القصص ذات العبر، ومنتهى الحكمة..
ولقد تعود القدماء أن يغرفوا من هذا المعين، ويقصوا على صغارهم ما يترك أثره في مفاهيمهم، وقيمهم، بل سلوكهم..
كانوا يحرصون على تطعيم مروياتهم بما يثير في نفوس صغارهم الحماس نحو تمثل شخصيات أبطال التكافل, والوفاء، والشجاعة، والفروسية، والتعاون، والصدق.. بل الخشية من الله, والخوف من الخطأ، والحرص على اتقاء الزلل، والعناية بالنفس أمام الله تعالى، ثم البشر..
لذا كانت جلسات السمر مع الكبار مؤنسة، ومع الوالدين ممتعة، وكان لمعنى «الأيام الخوالي» وقع في النفس، وصور في المخيلة، تحديداً عندما تبدأ الحكايات بجملة «كان يا ما كان في قديم الزمان، وسالف العصر والأوان».. وتنسرب الحكاية، وتنسرد الأقصوصة، وتطفو المخيلة، وتحضر كل المشاعر, وتجتمع الخلاصة، في لحظة الإصغاء، حين يتكثف تركيز الذهن، وتتبلور الحواس..!
فدفتر حكايا الكبار كثيف مكتظ، تصطخب فيه الأحداث..
البارحة، سألني صغير عن معنى جملة «الخوف من الله»، في محض لمحة لحوار مر بجواره.. فذكرني بقصة الخياط التي حكتها لي أمي, ومن بعدها قصصتها لأولادي..
ولا تزال صفحات التقويم الهجري تتضمنها عاماً بعد عام,
قلت له عن الخياط الذي طلب منه رجل أن يحيك له لباساً يناسبه، ففعل، وحين استلمه منه ذهب سعيداً بردائه الجديد، وما لبث أن عاد إلى الخياط، ومعه الرداء؛ ليخبره بأن به بعض العيوب التي لم تجعله يهنأ به، وطلب إليه إصلاحها، فإذا بالخياط يقلب الثوب، ثم انخرط يبكي، فتأسف إليه الرجل، وأخبره بأنه لم يقصد الإساءة إلى خياطته؛ فهو معروف بالمهارة، وأنه يريد استعادته بعيوبه، لكن الخياط سرعان ما طمأن الرجل وهو يقول له: «لم أبك مما قلت، وإنما خوفاً من الله, فإذا كنت قد اجتهدت في أن يكون ثوبك مناسباً لك، وبذلت في خياطته جهدي, وجاء بكل عيوبه هذه، فكيف هي عيوبي وأنا أعبد ربي بكل اجتهادي»..؟!
فهم الصغير غاية الحكاية، وأعاد إلي مغزاها وهو يقول: «إذن علينا أن نحسن عبادتنا، ونحرص عليها من العيوب، وهذا الحرص هو الخوف من الله.. صحيح هذا»..؟
ابتسمت له؛ إذ يكفي أن يفهم الخوف من الله على هذا النحو, ابن الثامنة وهو في عمره هذا..
ولسوف تكون له من دفتر الحياة أسفار، وأسفار يقص منها على أبنائه.. وأحفاده ما لا ينفد بكل معانيه وأبعاده, وحكمه ومقاصده..!