تداول ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي عدداً من مقاطع الفيديو لبعض من الشباب السعوديين الذي يطلقون بالأسلحة النارية عدة طلقات في الهواء احتفالاً بخروج أحد المساجين، وهو ليس بمستغرب حيث انتشرت الكثير من المقاطع عن إطلاق النار بفخر وعزة أثناء الترحيب والاحتفال في المناسبات العامة والخاصة، وكل ما عليك عزيزي القارئ أن تبحث في اليوتيوب لتفاجأ بالكمية الهائلة لتلك المقاطع، وكمية الأعيرة النارية التي تطلق في الهواء دون أي مراعاة لسلامة الناس ممن كانوا بالقرب!
أعرف أن في الجزيرة العربية عادات قبلية لا يمكن التخلص منها بسهولة، حتى وإن بليت العادات وأكل عليها الدهر وشرب، ومن ضمن تلك العادات عادة إطلاق الأعيرة النارية في الهواء في المناسبات، كتعبير عن الفرح ممزوج بالفخر والقوة، لكن تلك العادة التي بدأت تشكل خطراً كبيراً وتؤصل لثقافة مرفوضة أصبح من الضروري جداً العمل على محاربتها، فمن يستطيع أن يجيبني عن هذا السؤال: (كيف حصل هؤلاء الفتية المراهقون على كل تلك الأسلحة النارية؟) وهذا التساؤل يجترني لتساؤل آخر: (كيف يطلقون كل تلك الأعيرة النارية أمام مرأى الناس ودون حسيب أو رقيب..؟).
إن أول أمر يجب علينا محاربته حتى الفتك به، هو عادة حمل السلاح؟ فحمل السلاح في بلد ينعم بالأمن والأمان وداخل المدينة أو القرية لا يجب أن يكون إلا لرجل الأمن، أما مسألة انتشار السلاح بيد الكبير والصغير، رجل الأمن أو غيره فهو أمر سوف ندرك خطورته على المدى البعيد، من حيث التأصيل لثقافة (الفكر الداعشي)!
فحمل السلاح بكل تلك البساطة، ليس مجرد أداة خطيرة، مربوطة في منكبي رجل أو حول خصره، بل هي أداة تؤدلج لفكرة يريد الداعشيون نشرها بين الناشئة حتى يسيطروا على عقلهم الباطن، فالبداية هي نشر الأسلحة وحملها في السلم قبل الحرب، فمعظم النار من مستصغر الشررِ.
أعتقد أنه من المجاز أن أطلق على تلك الأمور داعشية صغرى، لأن أغراضها ليست إجرامية، لكنه التساهل بحمل الأداة واستخدامها في الرخاء والشدة، والمقصود بالأداة هنا هو (السلاح) الذي ما أن نتساهل بحمله حتى يبدأ الشيطان في أزنا لاستخدامه كتعبير عن الفرح، ولا أعتقد أن وسوسة الشيطان سوف تنتهي عند هذا الحد..!
فلا يجب أن يكون حمل السلاح كحمل القلم، أو المحفظة، ولا يجب أن يتحول السلاح إلى زينة أو إكسسوار يلف الرجل حزامه حول منكبيه أو خصره، فسلامة الناس أمر في غاية الأهمية، ودماؤهم غالية، وحتى لا يتعارض حمل السلاح الذي هو أداة محظور استخدامها إلا في حالات معينة تعرف لدى رجال الأمن - مع مفاهيم الأمن الفكري والحب والسلام والطمأنينة التي نود أن نزرعها في عقول النشء.
فانتشار هذا الفكر جعلنا ننتقد من يحمل آلة موسيقية، وننتقد من يحمل فرشاته ولوحة رسم، وننظر لمن يحمل السلاح الفتاك ويطلق منه أعيرة في الهواء على أنه رجل، وفارس شهم مغوار لا يشق له غبار، وهذا بالضبط ما يريد أصحاب الفكر الداعشي زراعته في عقول النشء حتى يسيطروا على عقولهم بتلك الفكرة، ويقنعوا بها عقلهم الباطن، وبالتالي تتم السيطرة عليهم بعد سنوات من زراعة تلك الأفكار والتوجهات على أنها عادات أصيلة يجب المحافظة عليها حتى لا تندثر..!
لقد تابعت أولئك الفتية، وهم يطلقون كماً هائلاً من الأعيرة النارية حتى أضاءت ليلهم الدامس، فأصبح ما حولهم مشرقاً كأن النهار قد تجلى، بينما هم يطلقون النيران من أسلحتهم دون حسيب أو رقيب يردعهم ويحاسبهم على فعلتهم، التي بدأ الناس في تصويرها ونشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي بتفاخر شديد، وهذا مع الأسف أدعى لمزيد من تلك الأفعال عن طريق تقليدها من قبل صغار السن!