د. محمد البشر
خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- استقبل خلال الأسبوع الماضي قادة دول الخليج, وهي دلالة واضحة على ما لدول الخليج من أهمية بالغة في قلب قائد المملكة, وقلوب الشعب السعودي, وهذا ليس بغريب, فمصير دول الخليج واحد, وهدفها واحد, وغايتها واحدة.
دول الخليج العربي منظومة راسخة, وثابتة, وتقلد خادم الحرمين الشريفين قيادة المملكة, سيزيد تلك العلاقة رسوخاً, لما يتمتع به -حفظه الله- من حنكة ودراية وخبرة في الشأن الداخلي للمملكة والعلاقات الدولية التي اكتسبها عبر عمله الدؤوب الذي استمر مدة طويلة من الزمن. وقد تعلم بذاته, وعلمته الأحداث الجسام التي شارك فيها بإيجابية كيف يواجه الصعاب في الداخل والخارج.
لقد شاء الله تعالى أن يتولى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز قيادة المملكة, في ظل أوضاع غير مستقرة في المنطقة مما يتطلب جهداً مضاعفاً, فهناك مآس حلت بالشعب العراقي الشقيق, ومثلها عاناه الشعب السوري, وكذا الشعب الليبي, والشعب اليمني. وغيره من شعوب المنطقة, ومن المؤسف أن هذه المشاكل نتجت بأسباب عدة, منها السياسي, والعرقي, والمذهبي, والقبلي, والطمع الشخصي. ولهذا فإن العمل في ظل أوضاع كهذه, لا بد أنه سيكون عملاً استثنائياً وصعباً, ولكن المملكة العربية السعودية لما لها من ثقل عالمي, ولما يتحلى به قائدها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز من حكمة وحنكة, أهلاً لحل الصعاب, وتضييق الهوة بين الأقران في البلد الواحد, أو بين بلدان المنطقة ذاتها.
هناك مشكلة تكاد تكون مشتركاً في تلك البلاد المضطربة, وهي وجود الإرهاب ومشاركة الإرهابيين بين الأحداث الجارية في تلك البلاد, ومن المؤسف حقاً أن هؤلاء الإرهابيين ليسوا من جنسية البلد فقط, وإنما ينتمون لأكثر من أربعين جنسية, وقدموا إلى تلك الديار للمشاركة في نشر أفكارهم, وزرعها وربما توطينها, وأيضاً المشاركة في الأحداث اليومية الجارية هناك.
خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لديه معاول وأدوات لفك الكثير من الرموز الصعبة السائدة في البلاد العربية, ولعل من تلك الأدوات ثقافته, ومعرفته بالتاريخ, وخبرته, وحنكته, ومن يقرأ التاريخ مثله -حفظه الله- لا بد أن يستطيع أكثر من غيره أن يحلل الواقع, ويستقرئ المستقبل, ويجد الحلول للمعضلات, والمشاكل التي قد تحل بالدول والشعوب, ومن ذلك مشكلة الإرهاب التي أعيت الدول, لأنه المتعمق في المذاهب, وفي المقاصد، وهو الذي يدرك ما ترمي إليه الكثير من الأفكار المخزنة في عقول البعض, وكذا مناوئيهم.
من يتاح له الحديث مع خادم الحرمين الشريفين يعلم أنه يفكر بصمت, ويسعى إلى غايته النبيلة بصمت وحكمة, مع إقدام في اتخاذ القرار, والذود عنه وأخذه بقطعية دون لبس أو مواربة. ولهذا فإن القرار في الغالب يكون واضحاً وجلياً.
في الوقت الذي تقبع فيه كثير من الدول تحت وطأة الفوضى والاقتتال, فإن دول الخليج بفضل من الله تتمتع بالطمأنينة والأمن والأمان والنمو الاقتصادي المزدهر وتنعم شعوبه بالبيئة المناسبة للاستثمار والإنتاج, إضافة إلى تنعمها بالأمن, وشعوب الخليج في ظل هذه الأوضاع تراقب الأحداث, وتتعاون فيما بينها, والتبادل التجاري والاستثماري بين دولها يزداد عاماً بعد آخر, ومواطنيها يتنقلون فيما بينهم بكل حرية وطمأنينة.
تجمع قادة الخليج علاقات تفوق المتعارف عليه وتمتد عبر التاريخ، وكذا مواطني دول الخليج, يرتبطون بأواصر القرابة والتواصل، فهناك الكثير من القبائل التي يعيش بعض أفرادها في دولة, والبعض الآخر في دولة أخرى, وهم يرون أنفسهم يعيشون في فضاء واحد, ويمارسون العادات ذاتها, وأساليب العيش المعتادة، لا فرق بين من هو في الكويت أو الإمارات أو البحرين أو قطر أو عمان أو المملكة العربية السعودية التي يلتف حولها الجميع.
المملكة العربية السعودية هي الشقيقة الكبرى لدول الخليج العربية, وهي من يلجأ إليها الكثير من دول العالم الإسلامي والعربي, بل ودول العالم أجمع, لأنها تسعى للسلام ومن أجل السلام ولتزرع الخير في ربوع العالم منطلقة من كلمة التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله, فهي الأساس التي قامت عليها المملكة العربية السعودية, وهي الراية التي التف حولها مواطنو المملكة, وهي التي رفعها قادة هذه البلاد الكريمة منذ نشأة الدولة السعودية الأولى والثانية, وبعد ذلك الدولة السعودية الثالثة التي أسسها الملك عبدالعزيز -رحمه الله- الذي أرسى قواعد هذه البلاد ورسم نهجها, على قاعدة أجداده, تلك القاعدة المبنية على كلمة الحق, وقد حرص الملك عبدالعزيز -رحمه الله- على الحفاظ على هذا النهج القويم, وتبعه أبناؤه من بعده, إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز, وهو المعروف بتتبعه لخطوات المغفور له الملك عبدالعزيز, وحرصه على ذلك حرص كبير.