رقية الهويريني
هو الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السِّعدي التميمي، ولد في عنيزة وتربى يتيم الوالدين، ونشأ نشأة حسنة، وقد استرعى الأنظار منذ حداثة سنه بذكائه ورغبته الشديدة في طلب العلم.
عينته الحكومة مشرفاً على المعهد العلمي في عنيزة، براتب شهري قدره ألف ريال، ولكنه رفض الراتب وأبدى استعداده للإشراف مجاناً لوجه الله، وهذا الفعل لا يصدر إلا من عالم زاهد! وحجته أن لديه ابنين يعملان بالتجارة ويمنحانه بعض كسبهما. وكان من سمته - رحمه الله- خلع نعليه عند دخول الفصل أثناء الدرس تقديراً للعلم، والجلوس فيه وكأنه أحد الطلاب! وقام بتأسيس المكتبة الوطنية بعنيزة عام 1359هـ. وتم ترشيحه لقضاء عنيزة عام 1360هـ فامتنع تورّعاً، وحرص ألا يعمل بعمل رسمي، ليتسنى له التفرّغ للعلم وطلابه.
في عام 1373هـ تم الاستعانة بمعلمين من الأزهر للتدريس في المعهد العلمي في عنيزة، أحدهما المستشار السابق في الجامعة الإسلامية الدكتور عبد الرحمن العدوي الذي كتب بمذكراته (كنا اثنين مبعوثين من الأزهر، وكنا نتأثر بجفاء بعض الناس في التعامل واللقاء وعدم رد التحية علينا، لدرجة أن بعض أهل البادية يقف بجوار أحدنا ثم يخط بعصاه خطاً فاصلاً في الرمال يفصل بيننا ثم يقول بصوت مسموع (أعوذ بالله) وبعدها يكبّر للصلاة! فعرض علينا الشيخ السعدي إعطاء دروس شرعية في المسجد الذي يصلون فيه لإزالة الجفوة بيننا وبين الناس. وبعدها قام رجل كبير في السن بوضع سجادتين خلف الإمام وقال: هذا مكان صلاتكما فأنتما أهل العلم والفضل وعلينا أن نكرّم العلماء، وكان لهذه اللفتة أثر طيب مما جعل الناس يدعوننا لشرب القهوة في بيوتهم).
اقترح عبد الرحمن العدوي على الشيخ السعدي وضع ميكرفون في المسجد ليتمكّن الناس من سماع المواعظ والأحكام، ولكن الشيخ تردد بحجة أن مكبّر الصوت لم يدخل المساجد في نجد ولا يحب أن يكون أول البادئين! فأقنعه أن يكون هو الشيخ العلم القدوة، وإذا لم يفعل ما يراه نافعاً فمن يفعله؟
ورغم أن موافقته ستعرضه لجهل الجاهلين، ونقد الناقدين وسيصيبه إيذاء الناس واستنكارهم؛ إلا أنه أمر بإحضار مكبّر للصوت ذي ثلاث سماعات يعمل بالبطارية، ولم تكن عنيزة إذ ذاك قد عرفت الكهرباء! وهو ما جعل النساء يخرجن من بيوتهن ويتحلقن حول المسجد يستمعن للخطبة، مما دعا وزير المالية آنذاك عبد الله السليمان للتبرع بماكينة كهرباء لتشغيل الميكرفون وإنارة المسجد.
وكانت له آراء جريئة في الدين والمعاملات المالية المختلف عليها، والشؤون العامة بما يناسب العصر الحديث دون النظر لأهواء الناس، حيث خرج من طور التقليد إلى طور الاجتهاد.
رحم الله الشيخ السعدي العالم المتحضر.