رقية الهويريني
لم أعجب قط من فتوى أحد الدعاة المغمورين ونفيه دوران الأرض، لأنه - ببساطة- تعلّم ألا يقول لا أعلم، وأن ذلك ليس من اختصاصي! ولكني أعجب من السائل الذي يصر على أن الداعية محيط بكافة العلوم وكل ما في الكون! فهل فتواه بثبات الأرض قناعة، أم خمول في الفكر؟!
دأب العامة من الناس على سؤال المشايخ والدعاة ـ بل ومن اعتاد أن يقصّر ثوبه ويطلق لحيته - عن كل علم وفن باعتبار شمولية الدين الإسلامي، وحتى عمَّا لم يكن موجود أصلاً في صدر الإسلام، ولم يأتِ ذكره في القرآن ولم تتطرق له السنة.
يتملكني الأسى، ويعتصرني الحزن حين أرى انتشار النصائح الطبية الصادرة من الدعاة! وامتدادها للرقية وتفسير الأحلام، فلا يُقبل تفسير الحلم من شخص حليق مهما كان علمه وحدسه، ناهيك عن تمثيليات إخراج الجن من الإنسان التي يقوم بها أشخاص بهيئات ذات طابع ديني. والإسلام أسمى وأرفع من سحنة أو ملبس.
ونتيجة لذلك سيطرت الشكليات الدينية في تسويق أنواع التجارة ابتداءً من بيع العسل والبخور وحتى التمور! ونهاية بالطب النفسي، حيث وجد الأطباء الوسطيون أنفسهم خارج الخدمة، بل إن أحد الأشخاص كان حليقاً وحينما أطلق لحيته قال: (صار لي هيبة)! ولست ألومه على ذلك فقد قيل (اللي تكسب به العب به)!!
ولا يعني ذلك عدم احترام الخيار الشخصي بإطالة اللحية وتقصير الثوب وهي بلا شك إحدى السنن بشرط عدم تحولها لتجارة في الدين وحسب! كأن يقوم أحد السذج من خلالها بالإجابة على جميع الأسئلة الطبية والجغرافية والفيزيائية الدقيقة!
ولعلنا لا نختلف بأن ذلك هو حصيلة تربوية وتعليمية تشرَّبها أكثر من جيل على مدى خمسة وثلاثين عاماً، وباركها المجتمع حتى أوشكت على الوصول به للكهنوتية، فأدت به للغلو والتطرف، وما نراه اليوم من حركات وتنظيمات إرهابية تنسب للإسلام ظلماً وعدواناً هي نتيجة طبيعية لبعض إفرازات حقبة تاريخية مغرقة بالظلامية.
وفي الوقت الذي يُبتعث فيه أرتال من أبنائنا الطلبة لأوروبا وأمريكا لنهل العلم والمعرفة واستنساخ التكنولوجيا ونقلها لبلدنا؛ نجد هناك من ينخر في فكر المجتمع وينقض الاكتشافات الجغرافية الفذة، ويرفض دوران الأرض ويضرب أمثلة غير واقعية تأكيداً لادعاءاته! والمؤسف أن يجد من يؤيده ويسفّه التراكم المعرفي الذي أحرزته البشرية وصار من المسلمات البديهية.