رقية الهويريني
يمتد تاريخ عائلة آل المبارك لثلاثة قرون، ولها نصيب وافر من العِلم والفضل، حتى صار من المألوف في العائلة ظهور العلماء والمثقفين في مجالات الدين والقضاء واللغة العربية والأدب.
وقد أضاف الدكتور راشد المبارك لتوجه العائلة السائد نبوغاً في علوم الكيمياء والذرّة والطبيعة والفكر والسياسة، حيث كان يعمل أستاذاً للكيمياء الحيوية في جامعة الملك سعود، وتقدم بطلب التقاعد المبكر ليتفرغ للبحث والتأليف وإثراء المعرفة والانشغال بقضايا الوطن والأمة من خلال طرح الرؤى الناضجة الواعية، وله آراء ومواقف راشدة تحدوه غيرته الوطنية الصادقة وحبه لمواطنيه وأمته، وصدقه ووفاؤه لبلاده، وكذلك الجانب الإنساني العظيم في داخل نفسه الكبيرة.
وقد قال عنه الشيخ محمد الغزالي: (عرفت الدكتور راشد المبارك من سنين، ومنذ عرفته حرصت على صحبته ومجالسته وقراءته، فهو عقل كبير، وخلق رحب. والطريف أنه أستاذ في علوم الكون والحياة، ولكنه مكين في الأدب العربي، خبير بشعره ونثره، ويظهر ذلك في أسلوبه الذي يتضمن عبارات فنية من مصطلحات الفيزياء والكيمياء، ولعله يظهر قبل ذلك في منطقه العقلي حين يعالج قضايا مختلفة بين الدين والحضارة والتاريخ). وله عدة مؤلفات منها كتابه البديع: (هذا الكون ماذا نعرف عنه؟) وقد كتبه بأسلوب ممتع يجعل المسائل العلمية في صياغة أدبية ندية مستساغة، وفيه مسائل وحقائق عن الحياة والكون.
وتحتل القضايا الإسلامية اهتمامه. ومنها سعيه لإيقاف نزف الدم المسلم في حرب العراق وإيران -آنذاك-، وتشجيع الجهود المبذولة لتفادي الغزو الأمريكي للعراق، مع جهود حثيثة في نصرة وإغاثة الشعب الفلسطيني في غزة وغيرها.
وله ندوة الأحدية الشهيرة التي تُعقد منذ خمسة وثلاثين عاماً، وتُعد من أقدم المنتديات العلمية والثقافية في الوقت الراهن، وحاضرَ فيها ما يزيد على الألف مفكر وعالم من نخب سياسية وعلمية ودينية، وفلاسفة وأدباء وشعراء.
ولعل المرء المنصف يتساءل بألم وأسى عن وضع هؤلاء العمالقة وأصحاب الفكر ممن يناضلون ويحترقون ثم يرحلون للدار الآخرة فتغيب ذكراهم ويُنسى جميلهم دون أن تهتم بهم شعوبهم، ولا تبرز وسائل الإعلام ومؤسسات التعليم محاسنهم ورؤاهم النافعة، ودونما يُستفاد من تجاربهم وتحقق رغباتهم وطموحاتهم التي هي ثروة يُقتبس منها ويُستنار بهداها!
وفي الوقت الذي أرثي المفكر راشد المبارك؛ فإني أتقبل فيه العزاء، فقد كان والداً وموجهاً لي متابعاً لشؤوني العامة والخاصة.
والحق أن رحيله بهدوء دون أن يعرفه أبناء الوطن حق المعرفة فيكرموه بما يليق به؛ يحدث الأسى في النفس!
وحسبه أنه من قوم نشأوا على الحق والمروءة، وقد كان مشتملاً على كرم النفس وجميل السجايا، إضافة إلى محامد العلم والنبوغ.