د. أحمد الفراج
يتحدث المؤرّخون كثيراً عن خطب الرؤساء الأمريكيين، وعن بعض العبارات البليغة التي وردت في تلك الخطب، والتي أدخلت كثيراً منهم التاريخ، وربما لا يعلم البعض أن تلك الخطب كانت تعد من قبل فريق كامل، متخصص، ومحترف، فكل رئيس أمريكي، خصوصاً منذ النصف الثاني من القرن الماضي، يأتي بفريقه معه، وتكون مهمة الرئيس هي الإلقاء، وحسب، وهذا لا يعني أن الرئيس لا يتدخل مطلقاً، فالرؤساء البارعون، أو المثقفون منهم، مثل ريتشارد نيكسون، وجورج بوش الأب، وبيل كلينتون، وباراك أوباما يشاركون في كتابة الخطب، بل إن الرئيس، في حال كانت ظروف الخطاب مهمة جداً، قد يكتب الخطبة بنفسه، ولكنه لا يستغني أبداً عن رأي ورؤية فريقه المحترف، قبل اعتماد الصيغة النهائية للخطبة، مثل ما حصل عندما كتب الرئيس باراك أوباما، بنفسه، خطبة تبرير علاقته بالواعظ المسيحي المتطرف، جيرماي رايت، والتي كشفها الإعلام، في وقت حرج جداً، وذلك أثناء جولته الانتخابية للرئاسة في عام 2008 .
لا جدال في أن من يتابع السياسة الأمريكية قد سمع - ربما آلاف المرات - تلك العبارة التاريخية للرئيس جون كينيدي (1960- 1963)، والتي يقول فيها: «لا تنتظر ماذا سيقدّم لك وطنك، بل فكر فيما يمكن أن تقدّمه أنت لوطنك»، وما زال المواطنون الأمريكيون يتذكّرون تلك العبارة السحرية، ويستشهدون بها، كما لا تزال وسائل الإعلام الأمريكية، والعالمية ترددها، حتى أصبحت إحدى العبارات العابرة للقارات، والحقيقة الصارخة هي أن تلك العبارة ليست من بنات أفكار الرئيس كينيدي، بل هي من تأليف كاتب الخطب الشهير، تيد سورنسن، وهو شاب ذكي، استقطبه الرئيس كينيدي للعمل معه، أثناء ما كان الأخير عضواً في مجلس الشيوخ، ثم عندما أصبح كينيدي رئيساً، صار السيد سورنسن مستشاره الشخصي، وكاتب خطبه، واستمر معه حتى اغتياله، والسيد سورنسن، المولود عام 1929 في ولاية نبراسكا، كان كاتباً لامعاً، ومحامياً بارعاً، وكان كينيدي يسميه «بنك الدم الفكري!»، وبالتأكيد، لم تكن تلك العبارة التاريخية هي الوحيدة، التي كان للسيد سورنسن الفضل فيها على الرئيس الشهير جون كينيدي!
يؤكّد المؤرّخون على أن السيد سورنسن هو المؤلّف الحقيقي لأحد أشهر الكتب التي ألّفها كينيدي، كما أنه كتب كثيراً من المقالات باسم كينيدي، إضافة بالطبع، إلى كتابة خطبه، خصوصاً الهامة منها، والخلاصة هي أن الرئيس الأمريكي، أي رئيس، يعتبر في النظام الأمريكي الديمقراطي، والمؤسساتي العريق، هو الواجهة فقط، وخلفه فرق عمل كثيرة، في كل المجالات، تعمل ليل نهار لخدمته، فإذا أطربتك، عزيزي القارئ، عبارة في خطاب لأي رئيس أمريكي مستقبلاً، فلا تستعجل بالإشادة به، فقد يكون كاتبها الحقيقي شخصاً مجهولاً، وراء الكواليس، تماماً مثل السيد تيد سورنسن، مع الرئيس الشهير جون كينيدي!