فهد بن جليد
في إحدى مغاسل السيارات بالرياض، يشد انتباهك اجتهاد ذلك (العامل)، الذي لا يلتفت لمن حوله، وهو منشغل بأداء عمله (بصمت رهيب)!.
ما يزيد من تطاير الأسئلة في ذهنك؟ هو حرص أصحاب السيارات الفارهة على اختياره دون غيره من (العمال الآخرين)، ليتولى غسيل مركباتهم، مما يجعله مشغولاً طوال الوقت، بينما الآخرون يتبادلون فيما بينهم الصراخ والنكات والتعليقات، إلا أن تلك الابتسامة المُتبادلة بينه وبين زبائنه عن بُعد، تحمل أسراراً دفينة، تحرك أي (صحفي) للبحث فيما وراءها؟!.
تدرون ما هي أول معلومة توصلت لها بمجرد الاقتراب من هذا (العامل اليمني)؟!.
أن عبد الله (لا يسمع ولا يتكلم)، فهو (أصم وأبكم)، يُطلق عليه زملاؤه في المغسلة من أبناء جلدته (عبد الله الأطرم)، إلا أن تقاسيم وجهه تحمل ذكريات أكثر من 20 عاماً قضاها في السعودية، بدأ العمل في (مخبز) يقوم بحمل أكياس الدقيق، وخلط العجين، وبعدها تحوّل إلى سوق الديرة وسط الرياض (لقصّ الأقمشة)، وتحميلها من المستودعات، حتى استقر به المُقام في غسيل السيارات، ليتقاضى اليوم (ثلاثة آلاف ريال) شهرياً!.
تمكن خلال هذه السنين من الاعتماد على نفسه، والنجاح في عمله رغم أنه لا يقرأ ولا يكتب، وسط منافسة شرسة في سوق العمل، حتى أثبت وجوده، وارتبط بزوجته، وأصبح لديه (أطفال) ينتظرون قدومه من السعودية، لأنه طوال (الغربة) لا يستطيع التواصل معهم سوى (بالصور)، التي ينظر إليها فقط ويبتسم، فهو لا يسمع صوتهم، ولا يستطيع التعبير لهم عمّا بداخله!.
قصة - نجاح عبد الله - أكتبها لكم اليوم، لعلها تكون (مُلهمة) لبعض شبابنا الذين يعتقدون أن طريق (النجاح والوظيفة) مُعبد بالورود دائماً، وخالٍ من الأشواك والمُنغصات، رغم أنهم يحملون (مؤهلات) تساعدهم على الانطلاق؟!.
بقي الإشارة إلى أن عبد الله فقدَ السمع والنطق وهو في سن (4 سنوات) نتيجة سقوطه على رأسه من الخلف، مما يجعل هناك أملاً في علاجه.!
إلا أنه بدلاً من ذلك، فضَّل أن يصنع غداً أجمل لأبنائه، في واحدة من أجمل صور (تضحية الأب)!.
وعلى دروب الخير نلتقي.