د. فوزية البكر
في القرن الثامن عشر وتحديداً عام 1792 أصدرت البريطانية ماري ولتسون كتابها الذي أسمته: الدفاع عن حقوق المرأة. وفي هذا الكتاب دافعت الكاتبة عن أفكارها القائلة بان النساء على نفس درجة المقدرة والإمكانات العقلية مثل الرجال، ومن ثم فيجب ان يتم توفير تعليم مواز لهن ان لم يكن مكافئاً لما كان متاحا للرجل آنذاك.
هذه الدعوة وضعت اللبنات الأولى لمن يرى أن المرأة شخصا عاقلا قادرا على نيل العلم مثله مثل الرجل من خلال المجتمع الذي يؤمن بحق الجميع فيه رجالا ونساء.
وقد بدأت هؤلاء النسوة بالدفاع عن حق النساء في الالتحاق بالتعليم العام، ولم يكن ذلك صعبا، لكن التعليم الجامعي لم يكن بهذه السهولة، وحين حصلن عليه لم يسمح لهن في البداية بالحصول على شهادات تخرج، وحين حصلن عليها كان من الصعب بعد ذلك قبولهن في سوق العمل الذي تطلب حروبا كبيرة حتى تمكن المجتمع وصناع القرار من سماع أصواتهن والسماح لهن بالعمل، ولكن بشروط الرجل الذي وضع مقاييسه المهنية وطلب من المرأة ان تتبعها.
كانت الفكرة الرئيسية تأكيد حق النساء في الحصول على فرص عادلة في التعليم والعمل والحياة العامة، واكدن لذلك عن طريق محاولة شرح العوائق التي تقف في سبيل حصول المرأة على حقوق مساوية لزميلها الرجل، سواء في التعليم أو العمل أو الحياة العامة والسياسية، وذلك بتتبع هذه القوانين التي تمنع المرأة من التمتع بحقوقها وإيضاح انها إنما تمت عبر لوائح وأنظمة وضعتها واسست لها قانونيا وتشريعيا باقي المؤسسات الاجتماعية وعلى رأسها المؤسسات السياسية والقضائية في الدولة. كما عملن على محاولة تتبع هذه القوانين التمييزية سواء وجدت في المؤسسات التعليمية أو المهنية وتسجيلها ودراستها. ولم يكن ذلك أمرا سهلا، فهؤلاء النسوة والفتيات واجهن مقاومة كبيرة من عالم يسيطر عليه (الرجل الذكر) آنذاك.
وكان المحرك الأساسي لهن هو دعم حق المرأة في اختيار ما ترغب في تعلمه وتعمل به، وذلك بإزالة كافة العوائق وأسباب التمييز ضدها للحصول على حقها.
طبعا تقدمت أوضاع المرأة الغربية في مجتمعاتها خلال القرون التالية، ولم يعد حقها في التعليم أو الحصول على فرص متساوية أمرا قابلا للنقاش حيث بات من المسلمات. لكن ماذا يمكن لنا نحن النساء اللاتي لازلنا نناقش ما اذا كانت المرأة كائنا عاقلا وبالغا و اذا كانت المرأة لا تستطيع الحصول على حق التعليم أو العمل أو التدريب أو السفر أو الحصول على وثائق رسمية الا بولي لأنها ( تعامل كشخص غير عاقل!) فإلغاء ولاية انسان عن نفسه وماله وتقييد حركته لا يكون الا حين يكون مصابا بعلة أو ببلوى لا يتمكن بسببها من إدارة اموره الذاتية، فتنقل ولايته عن نفسه إلى من يمكن ان يوثق فيه من اقربائه لحمايته، وهكذا فان فكرة الولاية في الإسلام جاءت لتعزيز الأمن الاجتماعي والذاتي في المجتمع المسلم ولم يعرف المشرعون سابقا انها ستستخدم في مجتمعات معاصرة لعضل المرأة وحرمانها من حقوقها كما نشاهدها اليوم هنا.
أنا لا أقول إن جميع النساء معضولات أو يعانين من أوليائهن، ولعلي -ولله الحمد- من أولهن حين من الله عليّ بمن يخشاه أبا وأخا وزوجا، والأمر كذلك في معظم من أعرفهن، لكن نحن كنا محظوظات مثل مئات الآلاف من النساء في بلادنا واللاتي -ولله الحمد- لا يقع عليهن ضيم الأولياء لكن في المقابل هناك عشرات آلاف ممن يعانين الأمرين بسبب ولاية جائرة، والمحاكم تمتلئ بقصصهن، كما أن هناك آلافا من الحالات التي لا تصل إلى مسامعنا بسبب الترهيب الاجتماعي والقبلي، أو ببساطة بسبب عجز المرأة عن الوصول إلى المحكمة، أو بسبب جهلها لحقوقها الشرعية، ويتبع ذلك بالضرورة جهلها للإجراءات القضائية، فلا تتمكن من الحصول على حقها حتى لو أقرها المشرع.
ومن حيث المبدأ ففكرة الولاية أساساً فكرة تمييزية وهي تفترض ولاية قانونية لشخص بالغ أمام القضاء نحو شخص غير بالغ، فكيف يستقيم الأمر في مجتمع ينظر إلى نسائه جميعا على انهن قاصرات؟ وكيف تمكن هؤلاء القاصرات من تربية الأبناء في الأسرة أو في مؤسسات التعليم أو الإدارة؟.
إضافة لذلك فهذا القانون يتعارض مع كافة الاتفاقات الدولية التي وقعتها المملكة كما انه يؤدي إلى خلل تدريجي بطاقات المرأة نفسها، التي تتلبسها ذهنيا ونفسيا فكرة العجز فتسلبها قدرتها على إدارة نفسها والتفكير بشكل مستقل أو اتخاذ قرارات شخصية أو مالية أو عملية (ولمن أراد الاستزادة في جانب نفسية المقهور فليقرأ بعضا من ادبيات المربي البرازيلي باولو فيراري وكذلك كتاب د. مصطفى حجازي: سيكولوجية الانسان المقهور).
نحن على مفترق طريق صعب بين أجيال من النساء تعلمن وسافرن وشاهدنا العالم وبين عالم محلي مليء بالمتناقضات، وواجبنا كمجتمع وكمؤسسات عدلية هو توفير البيئة التي تحميهن وتسمح لهن بالحياة الطبيعية وافادة أسرهن والمجتمع من حولهن بما تعلمنه.