د. أحمد الفراج
بعد أن ضجت وسائل التواصل الإجتماعي الغربية منددة بتجاهل الإعلام الغربي لحادثة قتل ثلاثة مسلمين، علي يد إرهابي مجرم، اسمه قريق ستيفن هيكس، وذلك في محيط جامعة نورث كارولينا، أدرك سادة هذا الإعلام أنهم لا بد وأن يواكبوا هذا الحدث الجسيم، وقد فعلوا، ولكنهم تحاشوا وصف الحادث بالإرهابي، حاولوا، ولا يزالون يحاولون أن يؤكدوا بأن الحادثة تتعلق بشجار، بين المقتولين، وبين الجاني على مواقف للسيارات!!، ولا زالوا يؤكدون على أن القاتل ملحد، وليس له مشكلة مع الأديان!!. هذا، مع أن كل ما في هذا المجرم يوحي بالعنصرية، والحقد، والكراهية، وقد أكدت التقارير تحرشه بالضحايا سابقا، وأنه في احدى المرات طرق باب شقتهم، وتحرش بهم، أثناء ما كان يضع مسدسه في حزام سترته!.
لا جدال في أن الصورة ستكون مختلفة تماما، لو كان المجرم، قريق هيكس، وأسرته هم الضحايا، وكان قاتلهم شخص مسلم، إذ سيثور الإعلام الغربي كله، لا الأمريكي فقط، لينعت الحادثة بالإرهابية، ويربطها بالمسلمين عموما، ثم يربط كل ذلك بالقاعدة، وداعش، حتى ولو ثبت أن هذا القاتل الافتراضي المسلم مجنونا، أو ملحدا، فالفكرة هي ربط الإرهاب بالإسلام، والتي تبرمج الإعلام الغربي عليها، ولست هنا بصدد الدفاع عن المنظمات الإسلامية المتطرفة، والتي شوهت الإسلام، ودمرت صورته، ولكني أؤكد، ومن خلال رصد دقيق، وعلى مدى سنوات طويلة، أن الإعلام الغربي يسعى جاهدا، وبطريقة استراتيجية، ومهنية لربط الإرهاب بالإسلام فقط، وسيسعى أكثر لتثبيت هذه الفكرة في ذهن المواطن الغربي.
في عام 2011، قام مجرم نرويجي، يدعى اندريس بيرفك، بقتل أكثر من سبعة وسبعين مواطنا نرويجيا بدم بارد، وكالعادة، تحاشت كل وسائل الإعلام الغربية - إلا لماما - وصف الحادثة بالإرهابية، أو وصف المجرم بالإرهابي، وتخيل - مرة أخرى - كيف كانت الحادثة ستوصف لو كان الفاعل مسلما؟!!، وهذا يعني وجود موقف مسبق، ونية لربط الإرهاب بالإسلام حصرا، وبالتالي فإن محددات وصف الجرائم لا تشكلها نوعية الحدث، بل شخص الجاني، والمجني عليه، وهذا بات واضحا بشكل صارخ، وهو الأمر الذي علقت عليه معظم وسائل الإعلام الغربية المنصفة، والتي تعلم أنها تستطيع أن تخدع كل الناس لبعض الوقت، ولكن يستحيل أن تواصل خديعتهم إلى ما لا نهاية، وخاصة في ظل وجود وسائل التواصل الإجتماعي، ومرة أخرى، نحن لا نطالب الإعلام الغربي بالحيادية، فلا يوجد إعلام حيادي، ولكن نطالبهم بأن يحتفظوا بما لديهم من مصداقية، ولعل حادثة نورث كارولينا الأخيرة تكون البداية لذلك، وإن كنا لن نتفاءل كثيرا!.