لا أريد أن أصدق.. أنت هنا من أجلنا جميعاً.. من أجل أن تجعل هذه الأمة ذات علاقة بالتاريخ والعلم والثقافة وبكل ما يحدث في العالم من متغيرات، فلماذا اخترت أن تغادرنا سريعا؟.. كنا ننظر إليك كمن سيحمينا من طوفان الفوضى التي اجتاحت العالم العربي عبر إدخال إصلاحات جوهرية للنظم المدنية والسياسية السعودية حتى تستطيع أن تساير ما يحدث في العالم المتقدم.. فلماذا تركتنا وبهذه السرعة؟.. ربما لا ينظر العالم إلى ذلك كما نراه نحن السعوديون فالعائلة الملكية مهمة لبقاء هذا الوطن ولأمنه ولحمايته من الفوضى والتفتت رغم الضرورة الملحة لتحديث كثير من نظمها لتكون قادرة على التفاعل مع متغيرات العصر.
لكن ومن داخل السعودية لا زلنا جميعاً في حالة من الذهول وعدم التصديق فأنت كنت ملكنا الحبيب الذي طرح نفسه دائماً رمزاً للتغير وللمستقبل فلماذا تركتنا في منتصف الطريق؟.. وماذا تريدنا أن نفعل؟.. هل تركت لنا خطة طريق نتبعها؟.. هل تركت لنا إستراتيجيات واضحة للتعامل مع المتغيرات الحديثة تمكننا أن نتفاعل مع ما حولنا وفي ذات الوقت نشعر بالأمن؟.
لماذا تركتني كمواطنة سعودية في منتصف الطريق حيث كنت أستقل طائرتي السعودية قادمة من مدينة بوسطن في الولايات المتحدة إلى الرياض وبعد أن أمضيت فصلاً دراسياً كاملاً كأستاذ زائر في إحدي جامعاتها بعيداً عن عائلتي وأطفالي وأمي وبحثاً عن جذوري في عالم المعرفة الذي أغرق فيه لأفجع بالخبر الطامة متبوعاً بعبارة {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
نعم أنها فاجعة بكل ما تحويه الكلمة من معني فما حولنا من تحديات تجعل الكثيرون قلقون من المستقبل خاصة والمنطقة العربية والإسلامية غارقة في فوضي وتمزق مخيف وأسعار سلعتنا الرئيسية البترول تتدهور بشكل غير مسبوق والحروب من حولنا تتكاثر وكنت أنت أيها المليك العظيم ورقة الآمان المتفردة التي نتعلق بها ونتفيأ بظلها وها أنت تطوي أشرعتك الدافئة وتغادر عالمنا لمقابلة ربك.. نقول: نعم بالله فهو من أعطى وهو من أخذ ولعل في من خلفك الملك سلمان بن عبدالعزيز خير هذه الأمة ومستقرها.
قناعتي ومنذ توليت سدة الحكم عام 2004 بأنك أردت أن تخلق أمة قوية تستطيع أن تتحد في لحظات الشدة كما نحن الآن؟ لحظة فقد ملك بحجمك وهي بالتأكيد أشد لحظات الشدة التي يمكن لأيّ مواطن سعودي أن يمر بها وهناك ملايين من السعوديين الذين رأوا تأثيرك عبر السعودية والعالم ككل وكنا نأمل أن يمنحك الله مزيداً من العمر والصحة لتري ثمار مشروعك التنومي الطموح ولتكمل مسيرة انفتاح وتنمية ستبقي ذكراك عطرة عبر التاريخ، لكن الله اختارك لجواره ونحن مؤمنون بإرادته ونسلم له وندعو لك بالمغفرة والجنة. لكننا لا نستطيع إلا أن نتحسر على غيابك المبكر عن عالم هو في أشد الحاجة إليك؟ آه أيها الملك الحبيب كم نحن قلقون وكنت مقود السلام ورسالة الطمأنينة لتثبيت هذا الوطن الكبير وإعداده لمواجهة التحديات أين كانت.
اختارك البارئ لتكون جواره ونعم بالله ولا راد لقضائه لكنك ستبقي أيها القائد العظيم رمزاً وطنياً خالداً تسجل مآثره في كل حقل وميدان. ستتذكرك كل امرأة سعودية ذاقت ثمار دعمك اللامتناهي لها والذي منحها فرصا لا محدودة للنمو والتغير لم تكن لتكون قبلك رحمك الله وهاهن السعوديات وبفعل رؤيتك المستقبلية الثاقبة يدرسن في كل بقاع العالم ويعملن في كل قطاع ويشاركن في المجالس البلدية والشورى.
ستتذكرك كل هذه الجامعات الناشئة التي أنشأتها في معظم مناطق الأطراف ففتحت لأبنائها فرصة للتنمية والتعليم والاستقرار.
سيتذكرك كل مواطن ومقيم رأى هذه المدن الصناعية الباهرة التي توزعت بين المناطق إيماناً منك بأن التعلم والتنمية والعمل حق أساسي لكل مواطن وفي أي بقعة فيها.
سيتذكرك كل فقير دعمته بالمال أو المسكن وأتحت له ولأسرته حياة كريمة هي حق طبيعي لكل مواطن.
سيتذكرك كل مراجع للمحاكم التي أنشأتها ولنظم الضبط والمتابعة التي سهرت على إتمامها وسخرت المال والرجال لتنفيذها وهكذا.... يمكن لي أيها المليك الحبيب أن أملأ صفحات وصفحات بمنجزاتك التنموية الكبيرة في ميادين التعليم والصناعة والصحة والقضاء وغيره كثير لكن هل هذا سيعيدك لنا؟.
ربنا تقبل عبدك الفقير وارحمه رحمة تشمله ومن يحب إلى يوم القيامة وأعنا في مصابنا الجلل وأنزل على أطراف بلدنا الحبيب الأمن والمحبة وتولى مليكنا القادم سلمان بن عبدالعزيز بالرعاية والصحة وأمنحه القوة والثبات لا كمال مسيرة التنمية إنك على كل شيء قدير.