لبنى الخميس
أسس بيل غيتس شركته التي غيرت شكل العالم وأحدثت ثورة في مجال الحواسيب «مايكروسوفت» وهو في بداية العشرينات.. وتولى ديفيد كاميرن رئاسة مجلس الوزراء البريطاني وهو في الثالث والأربعين من عمره، ويصغره نائبه نك كليج بعام، كما تبوأت وزيرة الدولة الإماراتية ريم الهاشمي منصب وزيرة، وأشرفت على ملف استضافة معرض إكسبو 2020 في دبي دولياً، وهي في مطلع الثلاثينيات. وأطلق مارك زكربرغ موقعه «فيس بوك» الذي غير شكل التواصل في العالم وهو لم يكمل الخامسة والعشرين، بعدد مستخدمين فاق المليار، ما جعل البعض يطلق على الموقع اسم «الجمهورية الزرقاء»، نسبة لارتفاع عدد المستخدمين. يحدث كل ذلك في عالم متسارع، وشديد التغيّر، لا ينتظر الكسالى، ولا يمنح المترددين فرصة ثانية، إذ كانت الدول سابقاً ترفع شعارات «خطوة بخطوة» لكنها اليوم، ومع ارتفاع التنافسية الدولية، باتت ذات رتم وإيقاع أسرع، ترسم خططاً، وتطلق إستراتيجيات أكثر فعالية، يقودها جيل يتّسم بالشباب والحيوية، التي فرضتها متطلبات المرحلة. وبما أن المملكة ليست بمعزل عن هذا التغير العالمي المتسارع، بل هي جزء لا يتجزأ منه، كدولة قائدة، ورائدة، وعضوة في مجموعة دول العشرين، قرأت هذا التوجه بعمق، واستجابت لهذا الاندفاع العالمي نحو التغيير، وإحلال الوجوه الشابة.
ففي توجه ملكي غير مسبوق لضخ دماء جديدة، عيّن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في حكومته الجديدة 29 وزيراً، يبلغ متوسط أعمارهم خمسين عاماً، من بينهم ثلاثة وزراء في الثلاثينيات، هم وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان، ووزير الإعلام عادل الطريفي، ووزير العدل وليد الصمعاني، كما تتضمن الحكومة وزيرين في الأربعينيات، ووأربعة عشر وزيراً في الخمسينيات، ما يعني وجود 19 وزيراً دون سن الستين عاماً. لتصبح هذا الحكومة أصغر حكومة عرفتها المملكة في تاريخها.
هذه التشكيلة الوزراية التي تتمتع بالشباب والديناميكية، ستسهم في التقليل من البيروقراطية والترهّل الإداري، كما ستضيف جانباً من الفعّالية والسرعة في الأداء خصوصاً أن عدداً من هؤلاء الوزراء قادمٌ من القطاع الخاص، الذي يتمتع بديناميكية أكبر وسرعة أعلى في إنجاز الأعمال، على غرار القطاع الحكومي، الذي لطالما اتّسم بالبرقراطية القاتلة، والتي تحول أحياناً دون تحقيق أي حلم تنموي.
حيث تميزت حكومة المملكة في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، والتي جاءت بعد طفّرة اقتصادية ضخمة، أنها كانت حكومة إستراتيجيات وخطط، ما جاء على حساب التنفيذ الفعلي على أرض الواقع، ما يجعل حكومة الملك سلمان الحالية تخرج من رتمها المعتاد، لتتوافق مع نبض الشارع، والتغير العالمي المتسارع، وتراهن على معيار الشباب الذي يشكل النسبة الأكبر من سكان المملكة العربية السعودية.
فكم كنا سنهدر من طاقات شبابية نابضة بالنشاط والشغف للتغير، إذا اتبعنا الطريق الآمن في تعيين أصحاب الخبرة والأقدمية في الإدارة، الذين توسّد بعضهم كرسيه لعقود طويلة حتى بات جزءاً من هويته وبطاقة عائلته، متجاهلين العناصر الحيوية التي يملكها الشباب دون غيرهم، مثل جرأة الإقدام على التغيير، الدافعية الغضّة للبناء، القرب ذهنياً وفكرياً من الجيل الجديد، إتقان مهارات استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، والبقاء دائماً في دائرة التغيير والتأثير.
شكراً لمليكنا سلمان الذي عرفناه عبر السنين، منفتحاً ومثقفاً وذا نظرة ثاقبة وحكيمة، على ضخّ هذه الدماء الجديدة في التشكيلة الوزارية، ومنح جيل الشباب فرصة الجلوس معه على طاولة صنع القرارات المصيرية، في بلد رؤوم ولاّد بالكفاءات المتميزة.