نحن جميعاً صنيعة العادة، وإذا اعتدنا على عادات جيدة، فإنها ستجعلنا أشخاصاً رائعين، إن هذه الفكرة معروفة على مر العصور وقد قال أرسطو مرة: «نحن ما نواظب على فعله». والتميز بالتالي ليس فعلاً بل عادة، وكما أن النجاح عادة فالفشل والتخاذل والتسويف عادة أيضاً، لذا لا توظف شخصا ً اعتاد على تغيير وظيفته، ولا تستأمن سرا ً لصديق اعتاد على الخيانة، ولا تصاحب من اعتاد على جذب طاقة سلبية تدمر كل فكرة عظيمة أو لحظة مميزة في حياتك، ولا تكن جزءا ً من مجتمع اعتاد على الحكم على الآخرين وتتبع عوراتهم بدلاً من مراقبة أخطائه وإصلاح عيوبه. إذ يقال إنه لا يوجد أشخاص سيئون أو مجتمعات سيئة، بل عادات سيئة سكنت نفوسا ً خضعت وانساقت لها.
شارلز دوهيغ الصحفي في جريدة نيويورك تايمز، ومؤلف كتاب قوة العادة: لماذا نفعل ما نفعله بحكم العادة، وكيف نغيره؟ ذكر في كتابه كيف أن الجيش الأمريكي حل مشكلة المظاهرات التي كانت تنطلق يوم الجمعة في مدينة الكوفة، عبر الاستعانة بخبير في السلوك البشري الجماعي لتفسير الظاهرة ودراستها عبر المراقبة والتحليل، حتى طلب من محافظ الكوفة منع باعة الأطعمة والمشروبات من العمل في الشوارع والميادين الكبرى، حتى جاء يوم الجمعة وتجمّع المتظاهرون خارج مسجد الكوفة، وتعالت أصواتهم وارتفع صوت مطالبهم دون أن تتدخل الشرطة، ولم يكن هناك بائع متجول واحد، يبيع طعاماً أو شراباً، فجاع المتظاهرون وشعروا بالعطش، حتى انسحبوا واحداً تلو الآخر. أما تفسير ذلك، حسب ملاحظة الخبير هو أن للمظاهرات نمط متكرر، يجذب الناس للمشاركة وأحياناً للمراقبة، فيبدأ الباعة بالتوافد، لذا قرر الخبير حذف أحد أبرز العناصر وهو العنصر الغذائي، الذي يدفع الناس للتعلق بهذه العادة، عبر تعطيل البيئة المصاحبة لها. وهذا ما يجب علينا فعله للتخلص من عادة سلبية لازمتنا طويلاً، وأشعرتنا بأننا عاجزين عن التحكم بذواتنا أو الإمساك بزمام مصيرنا.
مع بداية العام الجديد، ترتفع أصوات أحلامنا وأهدافنا، لشعورنا بأننا اقتربنا من فتح صفحة جديدة، بيضاء نقية، نحن من يقرر كيف يملأها، لكننا نصدم أحياناً بجدران عادات سلبية سميكة ومزعجة سكنت عقلنا الباطن لفترة طويلة، حتى اعتقدنا أنها باتت جزءاً منا ومن طباعنا، وأنفسنا منها براء، فما هي أولى الخطوات للتخلص من ذلك؟
أولاً، يجب علينا أن نعرف أن اكتساب عادة جيدة أو التخلص من أخرى سيئة يحتاج إلى 66 يوما ً حسب دراسة بريطانية أجرتها كلية لندن، فحاول تجنب تلك العادة على مدى 66 يوما ً عبر خلق نقيضها، أو العمل على فكرة «الإلهاء»، فإذا كنت مثلاً تنوي التخلص من عادة الحديث السلبي عن الآخرين أو ما يسمى شعبيا ً «بالحش»، فحاول أن تشغل نفسك بعمل أي أمر إيجابي لطالما دفعك للشعور بالرضا عن ذاتك كلما راودتك تلك الرغبات. ثانياً ، اسع لتعطيل البيئة المصاحبة لكل عادة سلبية تنوي التخلص منها، فإن كنت تصاحب من يعينك عليها فحاول تجنبه، وإن كان الموقع أو المكان هو الدافع فتوقف عن زيارته. فمثلاً، مرور الراغبين في الإقلاع عن التدخين بجانب غرفة التدخين المغلقة، وشم رائحتها كلما فتح الباب الزجاجي، ستستثير رغباتهم بحرق سيجارة، ما يجعل تجنب المرور بجانب هذا المكان خيارا ً حكيما ً.
قد لا يعرف البعض أن العادات لا تنحصر بالأفعال التي نقوم بها فقط، بل قد تكون أفكاراً ومشاعر، فهل تعلم أن الخوف والقلق وعدم القدرة على اتخاذ القرار والهزيمة النفسية والخضوع والضعف، كلها عادات تسكن عقول الملايين من الناس وتسيرهم كيف تشاء؟ وفي المقابل التفاؤل والإيمان بالنجاح والثقة بالنفس وقوة الإرادة وعمق الرؤية، هي عادات كذلك أكثر من كونها طباعاً شخصية؟
ففكر كم عادة كانت ستجعل منا أناساً أكثر صحة وسعادة ورضا عن ذواتنا؟ وكم من عادة جرّتنا إلى دوامة من التأجيل والتسويف وجلد الذات؟ وكم من عادة زادت الأغنياء ثراءً والفقراء فقراً؟ والناجحين تألقاً والفاشلين مزيداً من التراجع؟ وكم من عادة اجتماعية خلقت مجتمعات أدمنت العمل والإنجاز والإتقان؟ وكم من أخرى جعلت التخبط والفوضى والتخلف سمة أمة كاملة؟ اعتادت على تعليق فشلها على شماعة المؤامرات والخطط الخفية؟ وكم صنعت عادة الكتابة المستمرة كتّاباً رائعين مثل نجيب محفوظ الذي كان يواظب على الكتابة لمدة 4 أيام بالإسبوع من الرابعة وحتى السابعة حتى ألّف ما يقارب الخمسين رواية وقصة نال على إحداها جائزة نوبل، وكم أكسبت عادة التدريب الرياضي المنتظم والمستمر نجومية ساحقة للاعب البرتغالي كريسيانو رونالدو الذي يتدرب بمعدل 6 ساعات يوميا ًما بين تمارين في صالة رياضية وسباحة وعلاج طبيعي.، فضلا ً عن تدريباته داخل المنزل. فهل كان لهؤلاء أن ينجحوا دون الانضباط على عادات أثرت موهبتهم وصقلتها؟
أخيراً.. للعادة قوة جبارة وخارقة إذا سخّرتها لخدمتك لمعت، وإن جعلتها تحكمك ذقت آلام الفشل ومرارة العجز، لذا قالوا يوماً: راقب كلماتك لأنها ستصبح أفكارا ً، وراقب أفكارك لأنها ستصبح أفعالاً، وراقب أفعالك لأنها ستصبح عادات، وراقب عاداتك لأنها ستحدد مصيرك!