م. خالد إبراهيم الحجي
إن مجتمع الكفاءات السعودي يجب أن يعترف بأنه خسر الرهان مع نفسه في تحقيق وإيجاد مصادر الدخل البديلة للبترول التي نصت عليها خطط التنمية السابقة، وإذا لم يتدارك الجميع الوقت في البحث عن مصادر للدخل الوطني بديلة ومتنوعة قبل
فوات الأوان، ويستيقظ ويتنبه الجميع إلى الوضع المعيشي والاقتصادي الراهن الذي يعتمد على النفط مصدر الدخل الوحيد سيواجه المجتمع مستقبلاً مشكلات اقتصادية كبيرة، مثل تدني مستوياته المعيشية وتناقصها تدريجياً وسيضطر المجتمع إلى الدخول في مرحلة إجبارية من التقشف الاقتصادي، والدخول في دوامة الاختيارات المحيرة ليس بين الكماليات والضروريات وإنما بين الأولويات الضرورية لتسيير جوانب الحياة ومختلف الخدمات العامة التي ينعم بها المجتمع اليوم ويعتبرها الشعب السعودي من المسلمات الضرورية التي لا يستغني عنها. لذلك على مجتمع الكفاءات السعودي أن يسارع ويحذو حذوَ الدول الأخرى التي عملت طوال العقد الماضي بجدٍ واجتهادٍ لتنويع مصادر دخلها وتطوير اقتصادها، فألغوا القوانين التي أوجدت الروتين والبيروقراطية وأدَّت إلى إعاقة المشروعات، ووضعوا القوانين المحفزة لتنويع مصادر الدخل والاقتصاد، واستثمروا في تأسيس البنى التحتية اللازمة لتنويع مصادر الدخل وعملوا جاهدين على تنويع مصادر الدخل وزيادة مجالات التصدير، ولكن للأسف الشديد نجد أن الذي حدث مع مجتمع الكفاءات السعودي هو العكس، فعلى مدى خطط التنمية السابقة ساد الانشغال بتنفيذ مشروعات التنمية والتطوير عن تحقيق الأهداف التي رسمتها تلك الخطط والتي تنص صراحة على استغلال قوة الاقتصاد في تنويع مصادر الدخل، وعلى الرغم من قلة الصادرات السعودية بالنسبة للناتج المحلي نجد أن الجزء الأكبر من هذه الصادرات يعتمد أيضاً على مشتقات البترول. والزيادة في الدخل الوطني الذي حققته الزيادة في إنتاج كميات البترول مع ارتفاع أسعاره على مدى السنوات الماضية ألقت بظلالها على أهمية عامل الزمن لبناء قاعدة تنويع مصادر الدخل، فالاحتياطي النقدي الكبير الذي تراكم من عائدات البترول ولّد اعتقاداً وطنياً سائداً بأنه يمكن مع استمرار الفائض من دخل البترول سد العجز المالي الذي يمكن أن يظهر في الميزانيات التالية خلال السنوات القادمة، ووجود عجز سنوي متزايد بين الميزانية الراهنة والميزانية التي قبلها يعد دليلاً على أن الانتعاش الاقتصادي ليس وضعاً دائماً أو مستمراً. فالاقتصاد السعودي اليوم يجب أن يكون أكثر تنوعاً وإنتاجاً فعلى سبيل المثال: لماذا لا تصبح السعودية رائدة في مجال التكنولوجيا؟ وحيث إن الأموال اللازمة متوافرة، لماذا لا يوجد في السوق السعودي أفضل الأيادي الماهرة من مختلف أنحاء العالملتدريب الأيادي العاملة السعودية وإكسابها الخبرة ليتميز الاقتصاد السعودي بالجودة وبالتالي تتكون نماذج اقتصادية تُقدم منتجات سعودية للمستهلكين المحليين، وتساعد في التنمية والإتقان والاستثمار والتطوير والتصدير؟.
من هنا تأتي ضرورة الاهتمام بصناعة البحث والتطوير - العمود الفقري للتكنولوجيا والصناعة - فهي صناعة لا يمكن شراؤها من الأسواق العالمية، وإنما صناعة يجب تحقيقها على أرض الوطن بسواعد وعقول أبنائه بشق الطريق المؤدي إلى مستويات الريادة في مختلف المجالات العلمية والتقنية وتطبيقاتها العملية. ومقدار النمو في القطاع الخاص يجب أن يحل محل مقدار العجز في القطاع العام في ميزانية الدولة، والازدهار يجب أن يكون عاماً في مختلف المجالات. والسعودية لديها من الموارد والإمكانيات التي تؤهلها لتصبح مركزاً عالمياً للخدمات المالية الذي يحتاج تحقيقه إلى أن تشمر السعودية عن سواعدها وتدخل في سباق مع الدول الأخرى في المجالات المختلفة مثل: العلوم الطبيعية، والطاقة المتجددة ومختلف أنواع الصناعة وغيرها من الابتكارات الحديثة. فالسعودية تمتلك الركائز الجوهرية التي يمكن الاعتماد عليها ومنها:
أولاً: مكانتها العربية والإسلامية التي تجعلها جاذبة للشركات الدولية.
ثانياً: رؤوس الأموال المحلية المتعطشة للشراكات الدولية.
ثالثاً: سوق العمالة المرن والاقتصاد التجاري الحر.
رابعاً: مراكز الأبحاث المرتبطة بـ33 جامعة أهلية وحكومية مرموقة بالإضافة إلى مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية. وإذا سخرت المملكة جميع هذه الركائز الجوهرية وما تحمله من إمكانيات مع التسهيلات والمحفزات التي تمنحها الدولة سيدخل الاقتصاد السعودي بقوة في سوق المنافسة العالمية في مجالات الابتكار والتطوير والتصنيع والتصدير.
وعلى الرغم من قوة الاقتصاد السعودي بحالته الراهنة إلا أنه يحمل أيضاً نقاط ضعف وعيوب، والمصارحة والشفافية في علاج نقاط الضعف والعيوب التي يعاني منها الاقتصاد السعودي مسؤولية الجميع، وتجاهل أهمية هذه المسؤولية وعدم المكاشفة بأبعادها في الوقت الحاضر يرجع إلى الاطمئنان إلى وجود احتياطي نقدي كبيرٍ جداً يشغل حيز التفكير والخيال عن شبح الكساد الاقتصادي، ولكن الاحتياطي النقدي لن يدوم طويلاً فحسب تصريح وزير المالية السعودي في إحدى المقابلات التلفزيونية عن مدى كفاية الاحتياطي النقدي لسد عجز الميزانيات القادمة في ظل مستوى سعر البترول المنخفض بين 50 إلى 60 دولارا قال معالي الوزير (إن الاحتياطي النقدي سيكون كافياً على المدى المتوسط) الذي فسره كثير من المحللين الاقتصاديين أنه يقصد أن الاحتياطي يمكن أن يغطي عجز الميزانية لمدة خمس إلى عشر سنوات قادمة، والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة: ما العمل عندما ينفد الاحتياطي النقدي خلال الفترة من الخمس إلى العشر سنوات القادمة؟ وعند الأخذ بعين الاعتبار نسبة النمو السكاني المتزايدة فذلك يعني تفاقم عجز الميزانيات القادمة، حيث يقدر أن يبلغ عدد سكان السعودية نحو 37.2 مليون نسمة بحلول عام 2020، وذلك بناءً على حسابات متوسط النمو السكاني السنوي لآخر تسعة أعوام، الذي جاء عند 3.3 في المئة بحسب بيانات مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات السعودية، إضافة إلى وزارة الاقتصاد والتخطيط.
الخلاصة:
يجب استغلال قوة الاقتصاد السعودي في تنويع مصادر الدخل الوطني خلال فترة الانتعاش الاقتصادي، وقبل نفاد الاحتياطي النقدي والدخول في مرحلة الكساد الاقتصادي.