إن الأجور والرواتب تشكل العنصر الأساسي من الدخل لغالبية الناس من العمال وعامة الموظفين في القطاع الخاص والعام، وذلك على النقيض من العاملين لحسابهم في القطاع الخاص مثل العقاريين ورجال الأعمال الذين يحصلون على دخلهم من تحصيل الإيجارات والأرباح وغيرها من العوائد المالية الأخرى.
معدلات الأجور والرواتب غير متساوية وبينها تفاوت، وتختلف باختلاف الوظائف واختلاف قطاعات الأعمال، والتمييز والتفاضل في الأجور والوظائف ظاهرة عامة واسعة الانتشار تصل إلى حد تمييز بعض الجنسيات على الأخرى ؛ فنجد أن بعض الوظائف يختص بها جنسيات معينة أثبتت جدارتها من خلال التجارب السابقة في سوق العمل على أرض الواقع. وتعدد الجنسيات في سوق العمل السعودي جعل تحديد الأجور والرواتب يتم بناء على جنسية العامل المرشح للوظيفة وليس على كفاءته أو جدارته في ساحة العمل، ومن هذا المنطلق يتم وضع الجنسية السعودية في الاعتبار عند التعاقد مع المؤسسة في سوق العمل.
التغيير والتطوير لهياكل الأجور والرواتب في السوق السعودي عملية بطيئة جداً، لذا نجد أن التقليد والمحاكاة والاقتباس في معدلات الأجور والرواتب نهج شائع في سوق العمل في القطاع الخاص، ومن الطبيعي أن الزيادة السنوية في الأجور والرواتب يجب أن تتوازى مع نسبة الزيادة في أسعار السلع المعيشية ومتطلبات الحياة الضرورية، وهناك عدة عوامل تساعد على زيادة الأجور والرواتب يمكن إجمالها في الآتي:
الأول: وجود نظام عمالي واضح يحمي القوى العاملة ويحافظ على مستويات عادلة للأجور والرواتب تتناسب مع متطلبات المعيشة والوضع الاقتصادي للدولة.
الثاني: الاستفادة من الانتعاش الاقتصادي والتوسع في سوق العمل لتنظيم عملية الاستقطاب للقوى العاملة التي يزيد الطلب عليها فتحتاج إلى زيادة في الأجور والرواتب.
الثالث: تحديد زمن لإنجاز العمل يحتاج إلى حافز مالي يرتبط بالكفاءة في العمل وزيادة الإنتاج.
الرابع: الأخذ في الاعتبار الزيادة المتوقعة في الأجور والرواتب ضمن الخطط المستقبلية ورصد تكاليفها في الميزانيات القادمة.
الخامس: ترشيد استقدام العمالة الوافدة يزيد من معدل الطلب على العمالة الداخلية الموجودة في سوق العمل، فترتفع الأجور والرواتب لأن ارتفاعها يعد ثمرة من ثمار الانتعاش الاقتصادي، لذلك تفاءل الاقتصاديون واطمأنوا في أمريكا عندما ارتفع مؤشر الأجور والرواتب في سوق العمل الأمريكية لأول مرة منذ الانهيار المالي في عام 2008م، وقد ظهر ذلك التفاؤل والابتهاج بالتصفيق والهتاف من العاملين في البورصة الأمريكية في نيويورك، قبل عطلة عيد الميلاد 2014م عندما اخترق مؤشر داو جونز مستوى 18000 نقطة لأول مرة في تاريخه، فتناقلت شبكات التواصل الاجتماعي وصول انتعاش الاقتصاد الأمريكي إلى نسبة 5% لعام 2014م. وللأجور والرواتب مؤشر رئيسي يتكون من عدة مؤشرات فرعية، فلكل قطاع أعمال مؤشر خاص به يتأثر بمعدل العرض والطلب على منتج القطاع وارتفاع سعره أو انخفاضه، لذلك يمكن بكل سهولة رصد التفاوت في ارتفاع الأجور والرواتب في القطاعات المختلفة حسب تأثرها بالعرض والطلب، فعلى سبيل المثال عندما انخفض سعر البترول تم إعادة هيكلة الشركات العاملة في هذا القطاع فترتب على ذلك تقليص العمالة بالقطاع، وبالتالي انخفض مؤشر الأجور والرواتب الخاص بقطاع البترول، وبناء على قانون المردود الإيجابي في الاقتصاد الذي يعرف بـ (مُضاعِف كينسيان) الذي يربط بين زيادة الأجور والرواتب من جهة وبين زيادة الإنتاج من جهة أخرى في حلقة متصلة كالآتي: الزيادة في الأجور يترتب عليها زيادة في الدخل، فيترتب عليها زيادة في الاستهلاك، فيترتب عليها زيادة في البيع، فيترتب عليها زيادة في الإنتاج، فيترتب عليها مرة أخرى زيادة في الأجور والرواتب، وهذا التكرار في حلقة المردود الإيجابي ينتج عنه التضاعف الذي يقصده كينسيان، ومُضاعف كينسيان يسير ببطءٍ شديدٍ يستغرق عدة سنوات لكي تظهر الزيادة على مؤشر الأجور والرواتب، فالاقتصاد الأمريكي استغرق 6 سنوات ليصل إلى 5% من الانتعاش وهي نسبة يُجمع الخبراء على صدقها، لأن المؤشرات والإحصاءات الاقتصادية مستمدة من ميدان العمل وأرض الواقع.
الخلاصة:
إن المردود الإيجابي للعلاقة بين الأجور والرواتب وبين الإنتاجية يظهر على هيئة زيادات متوازية ومتناسبة مع النمو الاقتصادي.