فاصلة:
«لا تجالس أنصاف العشاق، ولا تصادق أنصاف الأصدقاء، لا تقرأ لأنصاف الموهوبين.. لا تختر نصف حل، ولا تقف في منتصف الحقيقة، لا تحلم نصف حلم، ولا تتعلق بنصف أمل».
(جبران خليل جبران)
أتأمل كيف ضعنا في التفاصيل الصغيرة في كل حياتنا، وليت أنها تفاصيل البحث عن الجمال والسلام، إلا أنها تفاصيل البحث عن عيوب الآخرين والتلصص على أخبارهم.
أصبحت طاقة المرء منا تضيع في تحليل ومتابعة خبر يكتشف بعد ساعات أنه كاذب، وهو قد بُني عليه كثير من الأفكار والتصورات حتى وإن كانت إيجابية؛ إذ يكفي أنها تصورات غير صحيحة.
حتى في النقاشات الأسرية وجلسات الأصدقاء تستغرقنا التفاصيل الجدلية في نقاشات حول أوضاع المجتمع فيتحول جميع الأطراف في النقاش إلى حكماء تقليديين، لا يكتفون بقول آرائهم بل يبتغون الإقرار بصحتها.
ولا نكتفي بذلك بل إننا ننصب أنفسنا أوصياء على هذا العالم بمن فيه، ونشهر السؤال الاعتيادي كيف؟
فكيف يكذب الآخرون؟ وكيف يخطئ المخطئون؟ وكيف وكيف..؟ نرددها بأسى متناسين أننا لسنا مسؤولين عن أفكار الآخرين أو أخطائهم.
أما التصيّد فحدث ولا حرج؛ إذ نخلق من جملة عابرة قيلت في تغريدة ألف حكاية وحكاية.
والضحية مغرد اختلفنا معه في الفكر، وأرضى غرورنا خطأ اكتشفناه، مارسه هو بعفوية.
مواقع التواصل الاجتماعي - للأسف - ساعدت على انتشار هذه القيم المستهلكة عوضاً عن قيم أخرى يفترض أن تنتشر ونغذيها للجيل القادم.
قيم العدالة والصدق والنقاء، قيم أصيلة موجودة في وجداننا، لكنها في طريقها للاندثار إن لم نلتفت إلى خطورة الاستسلام لممارساتنا في مواقع التواصل الاجتماعي.
فليس من المعقول أن تمارس الاستهزاء على الآخرين، وتعلم ابنك قيمة الاحترام، أو ترسل في مواقع التواصل أخباراً مكذوبة، وتعزز الشائعات، ثم تعلم ابنك تحري المصداقية في تعاملاته مع الآخرين!!
ما هذا الهدر للوقت؟ ما هذا التضييع لطاقة الإنسان وجهده؟
كفانا الانشغال بالتفاصيل الصغيرة المرهقة للروح والعقل فالحياة أبسط من أن نضيعها في تفاصيل صغيرة لا تجلب إلا التوتر والقلق. في الحياة متسع أكثر للبهجة، لتحري الاستمتاع بلحظاتها.