صدر أمر خادم الحرمين الشريفيين الملك سلمان بن العزيز -حفظه الله- قبل يومين بإلغاء عدد من أجهزة الدولة، بلغ عددها إثني عشر جهازاً، ما بين مجالس وهيئات ولجان عليا، وتم الأمر بإنشاء مجلسين يجمعان كل مهام تلك الأجهزة التي ألغيت، وحددت مهامها بمجلس للشئون السياسية والأمنية، وآخر للشئون الاقتصادية والتنمية.
وتكمن أهمية قرار إنشائهما بارتباطهما بمجلس الوزراء، كنوع من تطوير اليات تنظيم عمل اجهزة الدولة.
وباعتبار أن مجلس الشئون الاقتصادية والتنمية، سيعنى بكل ما يمس الفرد في شئون حياته اليومية والمستقبلية، فإن محاولة استقراء دوره ومهامه لها أهمية كبرى سأحاول مناقشتها في هذا المقال، فمن الواضح بداية أن مجلس الوزراء الموقر، سيكون الجهة العليا الوحيدة التي ستتولى إدارة الشأن العام، دون أي تداخلات من جهات عليا ألغيت، وكانت قد تأسست لظروف سابقة في حينها، مما يعني أن مرحلة تحجيم البيروقراطية قد بدأت، وذلك لتسريع منظومة العمل الحكومي وتكاملها، كإلغاء للإزدواجية بالمهام وتباين الأنظمة بين مختلف الجهات الحكومية الاقتصادية والخدمية، وذلك بقصد تحقيق أفضل النتائج بأهداف خطط التنمية المستدامة. وبحسب الأمر الملكي، فإن المجلس يضم 22 وزيراً عضواً برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز وزير الدفاع.
فالمجلس الجديد، ومن خلال تشكيلته الوزارية، يتضح أن كل ما يتعلق بشئون المواطن والاقتصاد عموماً سيتم العمل عليه من كافة الجهات المعنية في إطار تنظيمي، سيساهم بتكامل العمل الحكومي لتحقيق الأهداف التنموية، ففي السابق كان هناك ثلاث جهات عليا تعنى بالتعليم على سبيل المثال، مما يعني أنه لا يمكن تحقيق مستوى من الكفاءة بالأنظمة والتكامل بين التعليم العام والعالي.
أما الآن فكل ما يتعلق بالتعليم بات يطرح في مجلس واحد، وينفذ من خلال وزارة واحدة، وهذا الأمر سينعكس إيجاباً بتقليص الفجوة بين مراحل التعليم، ولكن بنفس الوقت سيكون له دور بتوجيه التعليم نحو احتياجات سوق العمل مستقبلاً. ومن الأمثلة الأخرى المهمة ملف السكن، فوزارة الإسكان ستستطيع تحقيق تنسيق افضل، والتمكن من توحيد الأنظمة أو تكاملها مع كل الجهات الأخرى، التي تتشارك معها بمسؤولية ملف السكن، حتى لا تبقى هناك أية عوائق تؤخر حلول الإسكان، بل وتحويل القطاع العقاري لصناعة حقيقية تدعم النمو الاقتصادي، وبنفس الوقت ستتمكن وزارة التجارة والصناعة من ربط توجهاتها بدعم وتنظيم العمل التجاري والصناعة عموماً باحتياجات الاقتصاد الحالية والمستقبلية.
فالمجلس الجديد، سيضع خطط التنمية الخمسية كخارطة طريق على ما يبدو، وسيتم من خلاله دفع الأجهزة الحكومية المعنية لتنفيذ مضامينها بتنسيق وتكامل يعتمد على تعديلات بالأنظمة ستطال كل الأجهزة مستقبلاً، بحيث تصبح كل الجهات تعمل كمنظومة متكاملة، وتحجم البيروقراطية التي أثرت سلبا على الأداء الحكومي.
فرغم أن الناتج المحلي وصل إلى ما يقارب ثلاثة تريليونات ريال، إلا أن التنوع الاقتصادي وزيادة الطاقة الاستيعابية، وفتح فرص العمل الجيدة وتطوير مناخ الاستثمار تبقى تحديات قائمة، تتطلب حلولا تنظيمية أكثر تقدماً، وأن تعمل كافة الجهات حسب اختصاصها بتنسيق أكبر فيما بينها، بالإضافة إلى تعميق دور القطاع الخاص بالمنظومة الاقتصادية وأن يكون شريكاً بالتنمية، حتى لايبقى معتمداً فقط على الإنفاق الحكومي المتأثر بإيرادات النفط بنسبة كبيرة.
فحلول أغلب الملفات الاقتصادية، وأن كانت كل الظروف مناسبة ومواتية، إلا أن ترجمتها على أرض الواقع تتطلب تحولا كبيرا بتوجهات العمل الحكومي من حيث الأنظمة وتوحيدها، وهو ما يتوقع أن يعمل عليه مجلس الشئون الاقتصادية والتنمية الجديد.
الإمكانيات في الاقتصاد الوطني كبيرة جداً، ويمكن عند استثمارها أن تنقل الاقتصاد إلى مرحلة متقدمة، يتحقق فيها معدلات نمو عالية، ولن تحل فقط الإشكاليات التنموية الحالية، بل حتى الاحتياجات المستقبلية من خلال الانتقال إلى اقتصاد منتج وخدمات راقية وتوطين الاستثمارات، والتوسع بالمشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتخفيض حجم الاستيراد من خلال زيادة الإنتاج المحلي، وتهيئة البيئة المناسبة لاستثمار الكادر البشري من شباب الوطن المتعلم بمشاريع وخطط عملية تساهم بها كل الأطراف من القطاعين العام والخاص.. نسأل الله أن يوفق حكومتنا الرشيدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لكل ما فيه خير الوطن والمواطن.