تمر جميع الأسواق بمختلف أنواعها سواء المالية أو العقارية أو السلع بأطوار متعددة تهدف لعكس الحقائق التي تبني عليها إتجاهها سواء الصاعد أو الهابط ويقصد بالحقائق العوامل الأساسية التي تظهر بنهاية المطاف على أداء مكونات السوق من قطاعات وشركات أو أصول أو سلع والتي تختزل برقم الأرباح أو الخسائر وخلال هذه الأطوار تتكون قمم وقيعان بالأسعار لكن بكل ما يسبق الوصول لها تسود حالات من الضبابية أمام أعين غالبية المتداولين فيتم توظيف كل أنواع التحليل لمحاولة التوصل للاتجاه النهائي للأسواق ومع ضعف قدرات أغلب من يتعاملون بالأسواق في أساسيات كافة أنواع التحليل يظهر القرار العاطفي على أغلب تعاملاتهم وتجدهم متأخرين سواء بالبيع أو الشراء أو حتى بعدم الاستعداد لأي مرحلة من خلال وضع خطة تساعدهم على القرار الجيد مما يوقع الغالبية في مربع الخسائر أو تقليص حجم الاستفادة من دورة السوق الذي يتعاملون به ثم تبدأ التبريرات التي تعلق على شماعة الآخر المجهول عمليا إذ لا يوجد لديهم دليل قاطع وملموس يؤكد أن خسائرهم أتت بفعل فاعل.
ففي أسواق النفط على سبيل المثال والتي تشهد موجة هبوط حادة هذه الأيام ترى تعليقات تصدر من دول منتجة للنفط لم تستعد لموجة الهبوط الحالية تحاول أن تلقي من خلالها باللوم على منتجين أو مستهلكين آخرين بينما الحقائق تثبت بأن هبوط أسعار النفط سببه أن المعروض يزيد عن الطلب بحوالي 1.5 مليون برميل يومياً بينما نمو الاقتصاد العالمي ضعيف بتأثير من كبرى الاقتصاديات بالعالم في أوروبا واليابان وبنفس الوقت فإن المنتجين الجدد للنفط غير التقليدي بدأوا كمؤثرين بأسواق النفط من خلال كميات إنتاج تعد كبيرة وصلت إلى 4 ملايين من النفط الصخري ومليونين من النفط المستخرج من الرمال لكن الأغرب هو عدم اكتراث من يحاولون القاء اللوم على الآخرين كمتسبب بهبوط الأسعار بالحقائق الحالية رغم أن كل التقارير منذ العام 2010 كانت تتوقع تراجعاً بأسعار النفط سيبدأ من بدايات عام 2015م وقد تستمر حالة انخفاض الأسعار عن مستوياتها العالية التي تجاوزت 100 دولار لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات وكشفت تلك التقارير في حينها والتي صدرت عن مراكز بحوث يعتد بها الأسباب التي ستهبط بأسعار النفط والتي تنوعت ما بين زيادة الأنتاج للنفوط غير التقليدية وتوقعات ركود بعض الاقتصادات الكبرى وهو ما نراه حالياً واقعاً وحقيقة لا تقبل الشك بل إن ما يأمله غير المستعدين لهذه المرحلة أن تقوم دول منتجة كبرى للنفط كالمملكة ودول الخليج عموماً بخفض إنتاجها لرفع السعر بينما يتجاهلون أن أي خفض بالإنتاج سيقابله زيادة أكثر بإنتاج النفط غير التقليدي بالأسواق أي كل ما سيتحقق هو ارتفاعات مؤقتة للأسعار لكن النتيجة السلبية ستكون بفقدان حصص من يخفض إنتاجه بالأسواق العالمية، فالأجدى بدول كروسيا وإيران التي تتصدر المشهد الإعلامي بكيل الاتهامات للمنتجين الذين توقعوا هبوط الأسعار واستعدوا لها أن يبادروا هم بخفض إنتاجهم أو يتعاملوا مع المرحلة الحالية بواقعية لأن الأسواق تمر بدورات صعود وهبوط وهي طبيعة ثابتة لم ولن تتبدل.
فمثال ما يحدث بسوق النفط ينطبق تماماً على أي سوق آخر ولا يعني كونك متداول فرد أو بحجم أموال صغير ستختلف عن متداول كبير بحجم دولة أو مؤسسة مالية إذا كان منشأ القرار عاطفي أو متأخر بفهم حقائق السوق الحالية والمستقبلية وهو ما يختلف تماماً عن عقلية المستثمر الحقيقي الذي يبني قراره على أسس ومعطيات تعطيه المجال لتحقيق أفضل النتائج الممكنة فالجميع قد يتعرض لخسائر أو تقليص للأرباح لكن الفرق يبقى بالاستعداد لكل الظروف وتوقيت اتخاذ القرار المناسب الذي يقلل من السلبيات ويمكن تلخيصه بشواهد معروفة منها رفع الاحتياطيات المالية وخفض حجم الديون السيادية وتحصين الاقتصاديات بكل الطرق الممكنة كاستعداد لأي تحول سلبي بالأسواق فالفرد يمكن أن يقرأ ملامح مستقبلية للأسواق بطريقة جيدة لحقائق ستظهر لاحقاً قد تهوي بالأسعار فيبدأ برفع النقد بمحفظته ويعيد أي تمويل كان قد حصل عليه وينتظر حتى تظهر كل السلبيات التي توقعها من خلال ما استطاع أن يستدل به عن مستقبل السوق الذي يتعامل به فيحقق أمرين مهمين الأول المحافظة على رأس ماله وما حققه من أرباح والثاني يتمثل باقتناص الفرص من جديد لأن التصحيح بالأسواق يولد الفرص فيقوم ببناء مراكزه الاستثمارية التي يرى بأنها فرصة لمستقبل استثماره وهو ما تفعله ببساطة بيوت الاستثمار المحترفة.
ميزة الأسواق تكمن في أنها لا تأبه إلا للحقائق في تحديد اتجاهها وكل ما يشاع خلال كل دورة سواء صاعدة أو هابطة لها ليس أكثر من أحاديث سوق تعزز الجانب العاطفي القائم على الخوف عند القيعان والطمع عند القمم للأسعار فالمسؤول الأول عن نتائج إدارتك لأموالك هو أنت بما تتخذه من قرار وأي رأي يحاول التأثير على المتداول لن يغير من الواقع القادم للسوق سواء بأسواق المال أو العقار أو غيرها لأن السوق سيسلك طريقه إلى ما يعكس القيم العادلة بنهاية المطاف وعليك أن لاتنتظر من السوق أن يخبرك بتوقيت التخارج أو الدخول المناسبين، بل يجب أن تعتمد على إمكانياتك واجتهادك للوصول إلى القرار المناسب لك المبني على قراءة واقعية خالية من العاطفة وتوابعها المدمرة.