صورة من بقايا عبثية الفوضى والفساد العربي، لكن هنا بحضور وفعالية رئيس سابق يرفض قبول الواقع وانتهاء مرحلة، يخلط الأوراق والتحالفات من أجل الفوز بوهم الأبدية والتضليل.. فالقضية أُثبتت وظهر تسجيلٌ صوتي مسرَّب لمكالمة هاتفية تنسيقاً بين الرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح، والقيادي في جماعة الحوثي عبد الواحد أبو راس، ويعود التسجيل إلى أواخر شهر سبتمبر الماضي بعد وقوع صنعاء في قبضة الحوثيين.
فوضى اليمن المؤسفة تقدم كل يوم مشهداً متغيراً، وهو ما جعل مجلس وزراء الخارجية لدول مجلس التعاون الخليجي المعني بالملف يبقي اجتماعه مفتوحاً لمتابعة التطورات، وكل الاحتمالات..
فالرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي يقدم استقالته من منصبه إلى رئيس وأعضاء البرلمان على خلفية انقلاب الحوثيين.. والبرلمان اليمني برئاسة يحيى الراعي يرفض قبول الاستقالة ويدعو إلى جلسة طارئة.. والحكومة اليمنية قدمت استقالتها إلى الرئيس قبل استقالته.
وفي رسالة الاستقالة، برر رئيس الوزراء خالد بحاح قراره بالقول: «حتى لا نكون طرفاً في ما يحدث وفي ما سيحدث ولا نتحمّل مسؤولية ما يقوم به غيرنا أمام الله وأمام الشعب».
وترك مقر إقامته في وسط صنعاء حيث حاصرته ميليشيات الحوثيين طيلة يومين.. ثم استمرت في اقتحام منازل وزراء ومسئولين ونهب محتوياتها.
والحوثيون متمردون على كل شيء، وفرحون لكل إعلان فوضى جديدة، رغم استلامهم لكل المناصب الأمنية والقيادية تقريباً، لكنهم مرة بعد مرة يصرون على السلاح والفوضى ومسلسل الرعب.
فيما محافظة مأرب اليمنية على صفيح حرب وشيكة في ضوء استمرار حشد الحوثيين مليشياتهم في محيطها، والقوى السياسية تلعب أوراقها بطريقة مكشوفة وفي مقدمتها قوى النظام السابق، فيما مأرب مرشحة لتكون الساحة التالية لمنازلات وتصفية حسابات قديمة أو حتى جديدة لم تتمكن مليشيا الحوثيين وقوى النظام السابق من تصفيتها في العاصمة صنعاء.
أما محافظة حضرموت، فقد أعلنت إغلاق المجال الجوي لإقليم حضرموت وميناء المكلا وكافة المنافذ البرية أمام من أسمتهم بـ»العناصر الإرهابية التابعة للمتمردين الحوثيين».
أكتب هذا المقال والتطورات تتوالى، وقد يكون حدث ما هو أخطر بين إرسال هذا المقال ونشره..
وفيما الحوثيون يعبثون بكل مؤسسات الدولة وقيمها، ورمزيتها في تكريس للفوضى والسلاح، يبدو أكثر من نصف السكان يعانون من الجوع، والأطفال يعانون المرض، والبقية يواجهون الفقر وسط صراعات دموية قاتلة، تلك حقيقة مفجعة وتنذر بكارثة لن يمر وقت طويل قبل أن تكشف تفاصيلها.
دول الخليج أدركت مبكراً أن اليمن قدر الجغرافيا والتاريخ، وكان التدخل الفعّال مبكراً خلال فترة «الربيع الزائف»، ولولا ذلك لكان اليمن قد أصبح في فوضى خطرة وكبرى يصعب تخيلها وإيقافها حينها.
إلا أن اليمن الذي تجاوز المِحنة الأولى، يُواجه اليوم كوارث أعمق متعددة في أمنه ووجوده، المواجهات المسلحة بين التنظيمات المختلفة من جهة، غياب الدولة المركزية تماماً من جهة أخرى، ثم الكارثة الإنسانيَّة الأشمل والتي تترك اليوم السكان في مواجهة مكشوفة مع الجوع والمرض والوباء والسلاح..!
مشهد مرعب وصعب بكل التفاصيل يعيشه هذا البلد الذي لم يكن سعيداً يوماً، وكأنه لم يكن يكفيه أن يكون من أفقر دول العالم، لتكتمل حالة البؤس والخوف والهلاك والتّضعضع والتفكك، حالة بعيدة تمامًا حتى عن الوصف.
فالخيارات باتت محدودة جداً، فمهما بلغ التدخل الخارجي لدعم متمردين هنا أو مصلحين هناك، سيكون أمام خيار واحد، حرب استنزاف طويلة داخلية لن ينتصر فيها أحدٌ.. والحقيقة الباقية أنه لا أحد يمكنه أن يساعد اليمن اليوم إلا اليمن نفسه..!