رحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- تاركاً خلفه اقتصادا قوياً، حيث عمل خلال فترة حكمه على تجديد شباب اقتصاد المملكة من خلال الدعائم الأساسية التي حجزت للمملكة مكاناً بين الدول الكبرى اقتصادياً، وتحديداً ضمن مجموعة العشرين.
فبعد أن كان الدين العام يشكل عبئاً ثقيلاً على الاقتصاد، حيث تجاوز 700 مليار ريال بسبب تراجع أسعار النفط الحاد في أواخر التسعينات من القرن الماضي، عندما وصل سعر البرميل لأقل من عشرة دولارات، وما سبق ذلك من أحداث جيوسياسية أكبرها احتلال العراق لدولة الكويت الشقيقة، وما صاحب ذلك من التزامات باهظة التكاليف، إلا أن عودة أسعار النفط للارتفاع منذ أكثر من عشر سنوات استثمرتها المملكة في عهد الملك عبدالله بإعادة ترتيب الوضع الاقتصادي للمملكة، من خلال خفض الدين العام، حيث بلغ مع نهاية العام الماضي 44 مليار ريال بما لا يزيد عن 1.5 بالمئة من حجم الناتج المحلي كأقل نسبة دين عالمياً.
كما وجهت الفوائض المالية إلى بناء احتياطي مالي وصل إلى 2.8 تريليون ريال، كثالث دولة عالمية من حيث الاحتياطيات، بخلاف ما تم اعتماده للانفاق الحكومي على مشروعات البنية التحتية والتي تجاوزت تريليوني ريال، لتعيش المملكة طفرة اقتصادية كبرى ستلمس نتائجها الإيجابية عاماً بعد عام.
وتميز عهده رحمه الله بالاهتمام بتنمية رأس المال البشري، حيث استمر تخصيص ما يقارب 25 بالمئة من الميزانيات العامة ولسنوات طويلة لقطاع التعليم والتدريب، ليصل عدد الجامعات الحكومية والأهلية ما يفوق 30 جامعة، بخلاف مئات المعاهد الفنية والتقنية، مما أتاح المجال لانتشار التعليم بكافة المناطق. وأصبحت الطاقة الاستيعابية للجامعات تفوق إعداد الحاصلين على الثانوية العامة سنوياً، ومع برنامج الابتعاث الخارجي الذي استفاد منه قرابة 200 ألف طالبة وطالبة، ارتفع مستوى التأهيل للكوادر البشرية، مما يبشر بمستقبل زاهر لاقتصاد المملكة، لأن رأس المال البشري هو الركيزة الأساسية لأي اقتصاد يبحث عن المنافسة والنمو المستدام، وجذب الاستثمارات بمختلف النشاطات الاقتصادية. ومن الأسس التي أضيفت لاقتصاد المملكة تهيئة الحواضن الجاذبة للاستثمار، كالمدن الصناعية والاقتصادية، التي أنجز بعضها ويستكمل الباقي، وكان آخرها مدينة رأس الخير للتعدين التي ستحتضن الصناعات التعدينية التي تعد الركيزة الثالثة بالاقتصاد الوطني مع الصناعات البتروكيماوية التي وصلت لمرحلة متقدمة وضعت المملكة بين أكبر منتجي البتروكيماويات عالمياً.
الاقتصاد الوطني، انتقل لمرحلة من التجديد تعد الأكبر في عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله، وأصبحت الظروف مواتية لقطف ثمار كبيرة بالسنوات القادمة، ومن خلال أريحية ومرونة يعيشها الاقتصاد، استطاع أن يتجاوز الأزمة المالية العالمية التي بدأت قبل ستة أعوام، والآن يقف قوياً مع تراجع سعر النفط بأكثر من 50 بالمئة بسبب الوفرة الكبيرة للاحتياطي المالي للدولة، والدين العام المنخفض جداً، وتصنيف ائتماني مرتفع، ومشروعات ضخمة اعتمدت أموالها، وهو ما إتضح عند إعلان الميزانية الحالية والتي سجلت أعلى رقم تقديري للانفاق بتاريخ المملكة، وكشفت عن قوة كبيرة يتمتع بها الاقتصاد المحلي، مكنته من التعامل مع الأوضاع الاقتصادية الدولية الضبابية حالياً، والتي بان أثرها بتراجع حاد بأسعار النفط. إلا أن ما بنته المملكة بعهد فقيدها الكبير من دعائم قوية بالاقتصاد ظهر أثره الإيجابي باستمرار تعزيز التنمية المستدامة، نتيجة للواقعية والقراءات المنطقية لأوضاع الاقتصاد العالمي، وتحركات أسواق النفط التي تمر بمراحل الهبوط والصعود كحالة طبيعية تعيشها كل أسعار الأصول والسلع واتجاهات الأسواق بمختلف أنواعها بين فترة وأخرى، ولكن تبقى العبرة بمدى استعدادك لكل ظرف، وهو ما نراه الآن بلغة الأرقام التي تظهر قوة ومتانة الاقتصاد المحلي.
رحم الله الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وأسكنه فسيح جنانه، ونسأل الله أن يعين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير مقرن بن عبدالعزيز وولي ولي العهد الأمير محمد بن نايف وزير الداخلية على كل مافيه الخير للوطن والمواطنين.