تضمنت خطط التنمية المتتالية العمل على تنويع وتوازن القاعدة الاقتصادية وتطوير الإنتاجية في العمل؛ وهو ما يتطلب مراعاة مصالح وتطلعات الأجيال الجديدة، وذلك من خلال إشراك الشباب بشكل فاعل في الدورة الاقتصادية والعملية التنموية كلها.
إلى جانب مراعاة مستقبل الأجيال القادمة، وحفظ حقوقهم في التمتع بثروات الوطن، وخصوصاً إذا عرفنا أن متوسط أعمار 70 % من السعوديين لا يتجاوز العشرين عاماً، وأن عدد السكان يتكاثر بمعدل 2،5 % سنوياً، وهي تعتبر من أعلى النسب في العالم. من هنا ضرورة العمل الجاد والملموس على سد الفجوة الكبيرة بين أعداد العمالة السعودية مقارنة بحجم العمالة الوافدة، وهو ما يشكّل اختلالاً كبيراً، وستكون هناك تداعيات خطيرة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية. هناك اتفاق وفقاً للبيانات والإحصاءات الرسمية والخاصة، فضلاً عن البيانات الدولية وتباينها؛ لكون البطالة في بلادنا تعتبر من المعدلات العالية، وهي لا تتناسب على الإطلاق مع وجود عمالة وافدة تقدر بأكثر من 9 ملايين، يشكلون قرابة ثلث العدد الإجمالي للسكان، وأكثر من 60 % من حجم العمالة الكلي، كما يمثلون أكثر من 85 % من مجموع العمالة في القطاع الخاص. ووفقاً لتقرير أصدره قسم السكان التابع للأمم المتحدة (صدر في عام في عام 2014)، فقد احتلت بلادنا المركز الرابع عالمياً في استقدام العمالة بعد أمريكا وروسيا وألمانيا. وإذا أخذنا نسبتهم إلى عدد السكان فإن المملكة تحتل المرتبة الأولى في العالم. كما تمثل تحويلات العمالة الوافدة في المملكة المرتبة الثانية في العالم بعد الولايات المتحدة، وتماثل مجموع تحويلات العمالة الوافدة في كل من ألمانيا وإسبانيا وإيطاليا. ووفقاً لبيانات النشرة الإحصائية الصادرة عن مؤسسة النقد العربي السعودي، فقد ارتفع حجم التحويلات المالية للعمالة الوافدة للخارج إلى نحو 148 مليار ريال «39.5» مليار دولار أمريكي بنهاية عام 2013، مسجلة نمواً سنوياً بلغ 18.1 في المائة. متطلبات التنمية المتوازنة تستدعي التطوير الكمي والنوعي للمنظومة التعليمية والتربوية، وتوسيع وتحديث شبكة التعليم العالي ومراكز البحث العلمي والأكاديمي ومعاهد التدريب المهني والمعاهد التكنولوجية، وربطها بالعملية الاقتصادية ومتطلبات التنمية واحتياجات سوق العمل. ولإنهاء ظاهرة الاقتصاد الريعي، والعمل على تنويع مصادر الدخل الوطني، مما يتطلب تنمية قطاعات الصناعة والزراعة والخدمات، والاهتمام بتكامل قطاع استخراج وتطوير النفط والغاز مع الصناعات التحويلية الأخرى مثل الصناعات الكيماوية والصناعات البتروكيماوية والصناعات المعتمدة على الطاقة، وتقليل الاعتماد على تصدير النفط الخام، وزادة القيمة المضافة عبر تشجيع ودعم تصنيع المنتجات النهائية، والعمل على توطين التكنولوجيا الرفيعة في هذا المجال.. فمن الواضح أن التوظيف المباشر في مرافق ومؤسسات وقطاعات الدولة المختلفة (باستثناء القطاع الصحي) وصل إلى مرحلة الإشباع مع وجود نحو مليون ومائة ألف موظف وعامل سعودي، بما يماثل البطالة المقنعة في حالات كثيرة. ومع أنهم يستنزفون نسبة كبيرة من النفقات الجارية في الميزانية غير أن قطاعات كبيرة منهم (ولأسباب مختلفة) لا تحقق إضافة فعلية للعملية الاقتصادية/ الإنتاجية. ومع مرور الوقت، أو انخفاض عائدات الدولة كما هو حاصل في الوقت الراهن والمستقبل المنظور، سيتحولون إلى عبء ومشكلة كبيرة. ينبغي هنا تأكيد مسؤولية القطاع الخاص في ترجمة الأنظمة والقرارات والخطط التنموية الصادرة من قبل الدولة حول السعودة في مجالات العمل، وتنويع القاعدة الاقتصادية على أرض الواقع، غير أن المعطيات والبيانات والإحصاءات المتعلقة بسوق العمل تؤكد عدم التزام الغالبية الساحقة من شركات ومؤسسات القطاع الخاص بتلك الأنظمة والقرارات، أو محاولة الالتفاف عليها بشتى الطرق على الصعيد العملي. قبل كل شيء لا يمكن فصل النمو الحثيث والمطرد الذي شهده القطاع الخاص على مدى العقود الأربعة الماضية عن الدور والدعم المباشر وغير المباشر وجملة المزايا والتسهيلات التي يحظى بها من قِبل الدولة. ويتمثل ذلك في حصول الشركات والمؤسسات الخاصة على غالبية المناقصات والتوريدات والتعهدات الحكومية بشكل مباشر أو كشريك من الباطن، التي شملت مجالات مختلفة. والأمر ذاته ينسحب على الشركات العملاقة التابعة للدولة، مثل شركة أرامكو - السعودية وشركة سابك، فضلاً عن القروض الضخمة الميسرة (بدون فوائد) التي حصل عليها القطاع الخاص من قِبل بنوك التنمية (الصناعية والزراعية) الحكومية، والتي بلغت عشرات المليارات من الريالات، إضافة إلى منحه الأراضي الواسعة لغرض الاستثمار الزراعي مجاناً، إلى جانب توفير المدن والمناطق الصناعية المخططة، وتقديمها للقطاع الخاص بأسعار زهيدة ورمزية. باستثناء الزكاة الشرعية (2.5 %) فإن مداخيل تلك الشركات والبنوك (وبعضها تقدر عائداتها بمليارات الريالات) على خلاف بلدان العالم الأخرى معفاة من الضرائب، كما تتمتع أنشطتها ومنتجاتها بالحماية من المنافسة الأجنبية، غير أنه في المقابل لم يقم القطاع الخاص بوجه عام بمسؤولياته الوطنية في التفاعلالملموس مع القرارات والأنظمة المتعلقة بتوطين (سعودة) العمالة لديها أو ترجمة خطط التنمية في تنويع القاعدة الاقتصادية والإنتاجية. البرجوازية المحلية انصبّ نشاطها في الغالب (مع بعض الاستثناءات المحدودة) في الأنشطة العقارية ومضاربات الأسهم والسندات والعملات في السوق المحلية والدولية، أو في تنفيذ مشاريع الدولة، أو كوكلاء (كمبرادور) للشركات الصناعية الكبرى في الدول الرأسمالية المتقدمة (دول المتربول)، وهو ما يضفي طابعاً هامشياً أو طفيلياً على دوره في دفع وتطوير العملية الاقتصادية/ التنموية.