تتميز المملكة العربية السعودية بأنها إمبراطورية عمرها ثلاثة قرون، أي ثلاثمائة عام، وهي مدة طويلة جداً في عمر الدول، ولا يضاهيها إلا ملكيات عريقة جداً عبر التاريخ شرقاً وغرباً، وقد مرت المملكة بفترات صعود وهبوط، إذ سقطت مرتين، ثم نهضت بكل إباء وشموخ، ولعل تأسيس الدولة السعودية الثالثة، على يد زعيم من أعظم زعماء التاريخ، وهو الملك عبدالعزيز ابن عبدالرحمن الفيصل، رحمه الله، كان إعلاناً لاستيعاب القائمين على هذه المملكة بأنهم استوعبوا دروس التاريخ جيداً، أو بلغة أدق، استوعبوا تماماً أسباب سقوط الدولة في المرتين الأولى والثانية، وبالتالي فإن هذه المملكة استعصت على المحلّلين، وخذلت المراهنين على تزعزعها، وستظل دوماً كذلك، لأنها أكثر عمقاً، وترابطاً مما يظن المرجفون.
مرت هذه الدولة بمراحل عدة، وتوقّع المرجفون الحالمون أنها ستتزعزع، ولن تصمد، ولكنها تؤكّد، في كل مرة، أن الأزمات لا تزيدها إلا ثباتاً، فعند صعود المد القومي في الخمسينات الميلادية، وتلك الثورة على الملكيات، والتبشير ببعث جديد للعالم العربي، وقفت المملكة كحائط صد، رغم أنها كانت حينها مملكة وليدة، ثم أعقب ذلك احتلال الطاغية صدام للكويت، واعتقد الحزبيون، مرة أخرى، أنهم سينجحون في المزايدة عليها، ولكنها خرجت أكثر قوة، بعد أن تم تحرير الكويت، وغادرت القوات الدولية خلال أشهر، ثم جاءت أحداث سبتمبر، وقفز الأعداء من كل حدب وصوب، لبث الفتنة في الداخل من جهة، واستعداء القوى الخارجية على المملكة من جهة أخرى، وقد نجح حينها الفارس العربي، عبدالله ابن عبدالعزيز، يرحمه الله، بحنكته، في أن يقود مملكتنا إلى بر الأمان، فيما يمكن أن يسمى أسوأ أزمة مرت بها في تاريخها، ثم جاء «التثوير العربي»، وما أدراك ما التثوير العربي؟!
أدركت قيادة المملكة، منذ اللحظة الأولى أن هناك قوى خارجية استغلت إحباط الشعوب العربية، لتؤجج هذه الثورات، التي لم يكن الهدف منها نشر الديمقراطية، بل تفكيك عالمنا العربي على أسس عرقية وطائفية، وقد استغلت هذه القوى تلك الأحزاب المتلبسة بالإسلام، لتكون ذراعها القوي في هذا المشروع الغادر، الذي ما زلنا نعاني من تبعاته، وكانت المملكة، وكالعادة، هي حائط الصد، الذي وقف ضد هذا المشروع، وربما أنها المرة الأولى، التي يدرك من خلالها المتابع أن المملكة وقفت ضد أكبر القوى العالمية، وفرضت رؤيتها على الجميع، وهو الأمر الذي أفشل هذا المشروع الذي كان يحاول أن يفكك عالمنا المنكوب فوق تفككه، ويصنع منه حكومات عرقية وطائفية تتصارع فيما بينها، ثم أخيراً، راهن الحاقدون على ضعف الدولة بعد رحيل الزعيم الكبير، عبدالله بن عبدالعزيز، يرحمه الله، وها هي المملكة تثبت، مرة أخرى، أنها أقوى، وأكثر رسوخاً وعمقاً مما يظن المخذلون والحاقدون، فاللهم أحفظ هذا الوطن، وأدم عليه نعمة الأمن والأمان.