نعى الديوان الملكي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي وافته المنية صباح هذا اليوم أمس (الجمعة) كما صدر عن الديوان الملكي بيان أعلن فيه تلقي صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير سلمان بن عبدالعزيز آل سعود البيعة ملكاً على البلاد وفق النظام الأساسي للحكم. وبعد إتمام البيعة، وبناءً على البند (ثانياً) من الأمر الملكي رقم أ - 86 وتاريخ 26 - 5 - 1435هـ، الذي نص على أن يبايع صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز آل سعود وليّاً للعهد في حال خلو ولاية العهد، دعا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ملك المملكة العربية السعودية -يحفظه الله- لمبايعة صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز ولياً للعهد، وقد تلقى سموه البيعة على ذلك.
وبدأت البيعة من المواطنين لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ولسمو ولي عهده الأمير مقرن بن عبدالعزيز -يحفظهما الله- بقصر الحكم في الرياض بعد صلاة عشاء أمس الجمعة.
رحيل الملك عبدالله بن عبدالعزيز لا يمثل خسارة كبرى للوطن والشعب في المملكة فقط وإنما على الصعيدين العربي -الإسلامي والعالمي نظراً للدور البارز والمكانة السياسية الكبيرة التي يتمتع بها، إلى جانب المنجزات التاريخية المهمة التي تحققت في بلادنا في عهده منذ نصب ملكاً في 1 أغسطس 2005 بل وحين كان ولياً للعهد والتي من بينها إنشاء المدن والمنشآت الاقتصادية الكبرى كمدينة الملك عبدالله الاقتصادية ومدينة الأمير عبدالعزيز بن مساعد ومدينة المعرفة ومدينة جازان ومركز الملك عبدالله المالي والمدينة الصناعية في رابغ، كما وضع حجر الأساس لمشروعات عملاقة تفوق كلفتها 600 مليار ريال في حدة ومكة تحت مسمى (نحو العالم الأول)، ومن أجل مواجهة أزمة الإسكان وحاجة المواطنين للمساكن تشكلت الهيئة العامة للإسكان، وعلى الصعيد الصحي بنيت عشرات المستشفيات الكبرى والمتخصصة في مختلف مدن المملكة.
بالنسبة لقطاع التعليم جرى تأسيس جامعات جديدة في المدينة ونجران والجوف والباحة والقصيم والطائف وحائل وتبوك وجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن في الرياض، كما افتتح في 23 سبتمبر 2009 جامعة الملك عبدالله بن عبدالعزيز للعلوم والتقنية (كاوست) والتي تعتبر من أكبر الصروح العلمية في العالم، وتجسدت مأثرته الكبرى في برنامج خادم الحرمين للابتعاث الخارجي وقد بلغ عدد المستفيدين منه أكثر من 150 ألف طالب وطالبة يدرسون في شتى التخصصات العلمية في كبريات الجامعات في الولايات المتحدة والدول الأوروبية وأستراليا وغيرها من البلدان.
وفي عهده جرت أكبر توسعة على الإطلاق في الحرم المكي والمسجد النبوي وبمشاريع تصل إلى عشرات المليارات.. من أجل تعزيز الحوار الوطني واللحمة الوطنية بين مكونات المجتمع كافة، إنشا مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني في 4 أغسطس 2003 والتي تضمنت أهدافه المعلنة توسيع المشاركة لأفراد المجتمع وفئاته في الحوار الوطني وتعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني بما يحقق العدل والمساواة وحرية التعبير، إلى جانب معالجة القضايا الوطنية من اجتماعية وثقافية وسياسية واقتصادية وتربوية وغيرها من خلال قنوات الحوار الفكري وآلياته، كما افتتح الملك الراحل مؤتمر حوار الأديان في مرحلته الثالثة في 12 نوفمبر 2008 والذي أقيم تحت رعايته واقترح إنشاء مؤسسة عالمية للسلام والحوار الإنساني تنبثق من الأمم المتحدة.
على صعيد تطوير المنظومة القضائية والحقوقية أصدر نظام القضاء ونظام ديوان المظالم بصيغة جديدة ومطورة كما صدر نظام الإجراءات الجزائية، إلى جانب تأسيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، والهيئة الوطنية لحقوق الإنسان، والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (نزاهة). من أجل تنظيم سلاسة استمرار الحكم في حال شغل منصب الملك أو ولي العهد أصدر الملك الراحل في 10 ديسمبر 2007 مرسوم نظام إنشاء هيئة البيعة.
لقد تشرفت بلقاء الملك الراحل -رحمه الله- في العديد من المناسبات العامة والخاصة من بينها لقاءات مهرجان الجنادرية في دوراته المتعددة كما حضرت لقاءات خاصة معه حين كان ولياً للعهد وذلك بمعية عدد من المثقفين والمهتمين بالشأن الوطني العام وكنا موضع ترحيب حار وودي كما كان يجيد الإصغاء والاستماع ومبديا التفهم والتعاطف مع ما نطرحه من هموم وطنية. يستحضرني هنا لقاء خاص مطول ضمني مع 5 من المثقفين مع الملك الراحل -حين كان ولياً للعهد- في قصره في عام 1988، واقتصر الاجتماع علينا بحضورالشيخ عبدالعزيز التويجري (أبو عبدالمحسن) رحمه الله وقد اتسم الحديث بالشفافية والمصارحة، وقد لمسنا عن قرب بأن الهموم الوطنية والأفكار التي طرحت كانت محل ترحيب وتفهم عميق من قبله. تغمد الله فقيد الوطن والأمة بواسع رحمته، وستظل إنجازاته الضخمة محفورة في ذاكرة التاريخ والوطن. أننا نتطلع بأمل إلى العهد الجديد تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده صاحب السمو الملكي مقرن بن عبد العزيز -حفظهما الله-.