جاء في توصيات لجنة الثقافة والإعلام والسياحة والآثار في مجلس الشورى مطالبة الإعلام بوضع معايير علمية دقيقة لاختيار المثقف السعودي، مع رعايتها لمنسوبي هذا القطاع بالتدريب والتأهيل للقيام بأدوارهم ومسؤولياتهم. جاء ذلك ضمن سياق مراجعة التقرير السنوي لوزارة الثقافة والإعلام للعام المالي 1434 - 1435هـ.
الجدير بالذكر أن مصطلح الثقافة قد تم إضافته لمسمى وزارة الإعلام، وذلك ضمن مشروع وطني لتشجيع وتوجيه الثقافة العامة لخدمة الوعي الوطني، لكن يبدو أن اللجنة الموقرة رأت غير ذلك، وأن الوزارة لم تؤدِّ دورها المطلوب في وضع أسس مؤسساتية للثقافة؛ فجاءت هذه التوصية كمقدمة لوضع أطر وتشريعات محددة للثقافة العامة.
كان من كبرى المعضلات التي واجهتها الحضارة العربية الإسلامية تلك المواقف السلبية من الإنسان الذي اختار أن يفكر ويتحدث في الفكر والفلسفة، خارج مربع الفقه أو الفكر الديني، وقد طالت كثيراً من الرموز النكبات، وواجه بعضهم مصير الموت، وواجه آخرون محنة إحراق الكتب، وكان تلك المواقف أحد العوامل الرئيسية لانهيار الحضارة العربية، ولبدء عصور الرسائل والمختصرات التي تحرم القراءة خارج المنهج.
حاولت بعض الأنظمة الشمولية أثناء الحقبة اليسارية والشيوعية أن تضع أطراً محددة للثقافة، فظهر ما كان يُطلق عليه بالمثقف الحزبي، الذي يلتزم بمبادئ الحزب الواحد، وذلك في مقابل التعريف الغربي للمثقف، الذي يجعل من الثقافة حقاً لكل إنسان، مهما كان وضعه الاجتماعي والتعليمي، على أن يعبر الإنسان عن آرائه بدون عنف أو إقصاء.
لهذا السبب توقفت كثيراً عند هذه التوصية الشورية النادرة، ووددت من باب الفهم لو أكملت اللجنة توصياتها بشرح مفصل عن المعايير الدقيقة لاختيار المثقف، وعن مناهج دورات التدريب التي يخرج منها الطالب مثقفاً؛ يستحق الانتساب لوزارة الإعلام والثقافة، وتمنيت أيضاً أن تضع اللجنة تصنيفاً لوظائف المثقفين، فيكون هناك على سبيل المثال مثقف ثانوي، ومثقف أول ثم مثقف في مرتبة عريف، ثم ننتقل إلى مثقفي الصف، الذين تختلف مسؤولياتهم وتكبر، وإلى مراتب أعلى مثل المثقف الركن والمثقف الرائد.. وأن تشمل توصيات اللجنة أن يكون للمثقفين مظهر موحد مثل رجال الدين، ولكن أن تختلف عن الهيئة الدينية المتعارف عليها، بلبس الشماغ بدون عقال وإعفاء اللحية والثوب القصير؛ لأنهم مثقفون وليسوا رجال دين، ومثل ذلك أن يكونوا حليقي الوجوه، ويلبسوا العقال والنظارات، ومن المستحسن أن تتدرج هيئاتهم حسب المرتبة، وحسب درجات كثافة الشعر في الوجه، إلى أن يصلوا إلى درجة المثقف الأكبر، أو الحليق الأكبر، الذي من أهم صفاته أن يكون أعزب.
ولا بد من بدلات في سلم رواتب المثقفين، مثل بدل التهم، وتختلف درجات التعويض المادي حسب التهمة، فبدل تهمة الإلحاد أكثر ضرراً من تهمة العلمانية، والعلمانية أسوأ من الليبرالية، ولا ننسى نعت المثقف بالرويبضة أو الفويسق الذي يتحدث في شؤون العامة، وأيضاً بدل للخطر. فالمثقف حسب هذا التصنيف قد يتعرض لفقدان وظيفته إذا تجاوز الخطوط الحمراء في المجتمع؛ لذلك عليهم أن يدفعوا تأمينات اجتماعية، فبعضهم قد يواجه محنة الجوع والتشرد إذا تم فصله من عمله في الوزارة كمثقف، أو تعرض للإيقاف عن العمل!
كذلك أن تتم دراسة جمع مهنة المثقف مع المهن الأخرى، وهل يحتاج إلى أن يكون المثقف متفرغاً، وأن يستقيل من عمله أياً كان، وأن لا يجمع بين الثقافة والمهن الأخرى، وأن تكون لهم مرجعيات ثقافية، وأن تحدد الكتب الأصح التي يرجعون إليها إن اختلف المثقفون في أمر ما، وأن يكون لصاحب المرجعية الأعلى أو الحليق الأكبر الكلمة الفصل عند اختلاف المثقفين الصغار حول موضوع أو رأي عام، وأن يكون له برنامج أسبوعي يجيب فيه عن أسئلة العامة حول المسائل الثقافية. والله ولي التوفيق.