حتى وأنت تجلس في مكان دافئ متدثراً بملابسك الصوفية، وأمامك المدفئة، تشعر بالقشعريرة تغزو جسدك وأنت تشاهد مناظر الإخوة اللاجئين السوريين، سواء في المخيمات التي تؤويهم في الأردن أو لبنان.
يتم تتابُع الصور عبر محطات التلفاز، والمشاهِد يزداد حزناً؛ فالوضع حقاً مؤلم للذين يواجهون البرد القارس وتساقط الثلوج والأمطار وهم تقريباً شبه عراة؛ فالملابس التي تستر أجسادهم هي بالكاد تكفي لكسوة الجسد دون أن ترد غائلة البرد القارس الذي جمّد حتى الموت سبعة أطفال وثلاث نسوة وستة شيوخ كبار في السن.. كم من الدموع سقطت وهي تشاهد طفلاً لا يجد سوى (شبشب) من البلاستيك يضعه في قدميه وهو يخوض في برك المياه التي خلفتها الأمطار، وغطتها طبقات ثلجية..
حتى المراسل التلفزيوني الذي حضر إلى مخيمات اللاجئين السوريين وهو محصن بالملابس الصوفية، ومدثر من قمة رأسه حتى أخمص قدميه، كان يرتجف وهو يُجري اللقاءات مع سكان المخيم الذين كانوا بالكاد متماسكين أمامه من شدة البرد.
هذه المناظر المحزنة لم تحرِّك ضمائر المانحين من الدول القادرة سوى قلة من هذه الدول، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، التي تدفقت مساعداتها على مخيمات اللاجئين، وبخاصة في الأردن ولبنان وتركيا. وقد اعتمد سمو وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف عشرات الملايين من الريالات لتمويل شراء وقود التدفئة توفير توزيعه، وتم صرف مبلغ تسع ملايين ريال في تدخل سريع لمواجهة العواصف وموجات البرد القارس التي اجتاحت المنطقة، كما تم توزيع 53 مليون ريال لتمويل توزيع الملابس الشتوية. وقد بدأ اللاجئون السوريون في الدول الثلاث التي تؤويهم في استقبال واستلام المساعدات السعودية التي خففت كثيراً من الآلام والمصاعب التي يواجهونها في هذا الشتاء القارس.
والمطلوب أن تنضم الدول العربية والإسلامية الشقيقة إلى هذه الحملة؛ فالوقوف مع هؤلاء اللاجئين الذين فُرض عليهم ترك مدنهم ومنازلهم واجبٌ شرعي وإنساني وأخلاقي.. ولا نطالب بأن تكون المساعدات الإنسانية بحجم ما تقدمه المملكة العربية السعودية، بل كل ما يقدَّم هو ضروري حتى وإن كان بسيطاً؛ فالقليل إذا ما جُمع من أكثر من دولة وجهة يصبح كثيراً؛ ويسد جزءاً من حاجة هؤلاء المساكين.
عيبٌ علينا أن نحث المسلمين والعرب على مساعدة أشقائهم في مثل هذه الظروف؛ فالواجب يتطلب أن يسارع الجميع قبل أن يُطلب منهم.