لا أحد يشك أن اقتصاديات دول الأوبك تعتمد في المقام الأول على النفط، كما أن هناك دولاً أخرى خارج أوبك منتجة للنفط، ومعتمدة عليه، وأخرى منتجة للنفط، ولا تعتمد عليه بقدر كبير، بل لعل مساهمته في إجمالي الإنتاج الوطني قليل جداً، فالولايات المتحدة التي تعتبر المنتج الأول للنفط، بعد توسعها في استغلال الصخر كمصدر للنفط، أضحت سعيدة بانخفاض سعره، لأنها في الوقت الذي تعتبر فيه أكبر المنتجين، فهي أكبر المستهلكين، ولا يمثل النفط في إنتاجها الوطني شيء يذكر، لضخامة اقتصادها وتنوعه.
والنفط عندما ينخفض، فلا بد له من أثر ما، على المنتج والمستهلك، فالمنتج للنفط والمعتمد عليه، الذي ليس لديه ما يسد رمقه سواه، سيتأثر سلباً لا محالة بهذا الانخفاض الطاري والمؤقت، وربما المستديم، لكن ليس بالضرورة أن يكون سلبياًً خالياً من الإيجابيات، فمن إيجابياته إعادة التفكير في تنويع المصادر، التي يعلم أهميته الجميع ويؤمن به، بل درسناه، ودرسناه، لكن الفوائض ربما تجعل المرء أكثر استرخاءً. ومن إيجابياته التعلم على الترشيد، والاعتماد على الذات، والقوى البشرية، المحلية لتخدم نفسها، وتعتمد على طاقاتها، وتنمي مقدراتها على زيادة مساهمتها في إجمالي الناتج الوطني، وهناك المنتجون الذين سيتضررون إلى درجة ربما يصعب تحملها لو استمر الحال على ما هو عليه، والمنتجون إما أن تكون شركات عامة متاحة للجميع في أسواق المال، أو شركات تابعة للدول، فالشركات التابعة للقطاع الخاص، قد تخسر الكثير من نصيبها في السوق، وبل قد تخرج من بعض أماكن الإنتاج لتمنى بخسائر فادحة، وهناك من يقدر أن إجمالي القروض التي سيرت لشركات التنقيب والإنتاج للنفط لا سيما الصخري منه بلغت نحو تريليونين، أي أن هناك بنوكاً سوف تتأثر كثيراً عندما تقفل تلك الشركات أبوابها، وستتبعها البنوك الممولة لها، إذا طال الأمد على ما هو عليه.
ومن المفارقات أن دولاً منتجة للنفط ومعتمدة عليه، مشغولة في نفسها بحربها على ذاتها، مثل العراق وليبيا وهي دول قادرة على زيادة الإنتاج في اللحظة التي ترجع فيها العقول إلى أصحابها، ويكف أهلها عن اللهث وراء الأيدولوجيا، ويتجهون إلى السعي وراء كسب لقمة العيش الكريمة.
ولو أن دولاً كهذه الدول استقرت وبدأت في الإنتاج لأضافت إلى السوق النفطي مليوني برميل في مدة محدودة مما يزيد من فائض المعروض، فيقل السعر تبعاً لذلك.
إن من حسن حظ بعض الدول المنتجة للنفط والمستقرة سياسياً واجتماعياً مثل دول الخليج، أنها قد جازت فوائض مالية هائلة خلال مدة ارتفاع الأسعار التي دامت طويلاً مما جعلها تستثمر ما تستطيع استثماره داخلياً، وتشتري بما زاد عن ذلك سندات حكومية لدول مأمونة الجانب السياسي والاقتصادي، وهناك من تلك الدول من خرج عن النمط المألوف في الاستثمار في السندات إلى غيرها من مكامن الاستثمار الأخرى، والحقيقة أن هناك نظريتين لاستثمار الفوائض للحصول على العوائد، أحدها أن يكون الاستثمار محدود العوائد مع مخاطرة تكاد تكون معدودة، لكن هذه العوائد ربما تتلاشى من خلال التضخم إذا كان نسبة نموه أعلى من المردود من الاستثمار، وهناك من يرى طبقاً لنظريته، أن الحصول على عوائد أكثر مع شيء من المخاطر أفضل من البقاء بعائد محدود، وشبه معلوم وثابت. إلا إذا تغير سعر الفائدة لدى بعض الدول المستثمر فيها، وهذا غير محتمل في الوقت القريب.
الاقتصاد يحتاج إلى أدوات، وأداته الأساسية الفرد، وقدرته على إدارة المال والرجال، واستغلال الثروات بصورة رشيدة، مع نمط استهلاك رشيد، لكنه قوي، فالطلب يجر العرض، إذا كانت القدرة الشرائية للأفراد مرتفعة، ومعظم المنتجات محلية، ليكون عائدها الاستثمار مع أرباحها عائدة للمواطن، وليس للمنتج خارج الوطن.
لهذا فإن تشجيع الصناعة، ومنح القروض الصناعية وتسهيلها، لا بد لها أن تكون الأداة القائدة لتنويع الاقتصاد الوطني، وسد حاجة السوق، وتوظيف المواطن، وتدريبه على الإدارة والإنتاج. إن كل شي ممكن متى ما حضرت الإرادة وحلت في قلوب الجميع كباراً وصغاراً، وإلا سيظل الوضع كما هو.