انخفضت أسعار النفط بمقدار الثلث بسبب الفائض في السوق. ومهما أرجع بعض المحللين ذلك لأسباب أخرى, ومنها السياسة, فإن قانون العرض والطلب سيبقى العامل الحاسم في تحديد السعر, كما أن هناك عوامل أخرى سوف تُحدّ من انخفاض السعر إلى أرقام منخفضة جداً, وعلى رأسها تكلفة الإنتاج، التي لن تسمح لعدد من الحقول بالاستمرار في الإنتاج, كما أن النفط الصخري ذا التكلفة العالية لا يمكنه أن يصمد أمام انخفاض مستمر لمدة طويلة بمقدار يقل عن تكلفة الإنتاج؛ ما يؤدي إلى توقف الإنتاج، ويتلوه انخفاض في المخزون العالمي, ثم المعروض منه, وبعد ذلك ترتفع الأسعار إلى سعر يتعادل فيه العرض والطلب. وهكذا هو السوق لجميع السلع, كما يحدده الاقتصاد الجزئي.
هناك دول تعتمد بصفة رئيسة على النفط، وتبني ميزانيتها على ذلك, وهناك دول احتفظت بشيء من الفوائض، استثمرتها بطريقتها التي تراها مناسبة, وسوف يكون لها الخيار في سد العجز بالسحب من تلك الاستثمارات أو الاقتراض, أو هما معاً, كما يمكنها خفض الميزانية بنسبة تسمح بأن يكون العجز بنسبة مقبولة من إجمالي الإنتاج الوطني, ولكن الإنتاج الوطني سينخفض بشكل كبير نتيجة انخفاض الأسعار, ويعني هذا أن العجز لا بد أن يكون محدوداً؛ حتى يتناسب مع إجمالي الإنتاج الوطني؛ ما يعني خفضاً كبيراً في الميزانية.
وإذا رأى متخذ القرار استمرار التنمية، وضخ المال اللازم، بغض النظر عن النسبة بين العجز وإجمالي الإنتاج الوطني، فإن ذلك يتطلب سحباً أو قرضاً، قد يكون كبيراً.
وهناك وسائل وأساليب أخرى، يمكن اتباعها، وذلك بإعطاء الأولوية للمصروفات الأساسية، والتحكم بها, وترشيد الصرف, بما يتناسب مع العائد منه, وهذا لا يتم في الغالب إلا عند نقص السيولة, أو الخوف من نقصها, وهي طبيعة بشرية سارية أبد الدهر.
إن انخفاض أسعار النفط في الوقت الحالي لا يعني استمرار الانخفاض, ولا يعني عودته سريعاً, وإنما سيتحدد ذلك طبقاً للمعطيات السوقية. ولا أعتقد أن أحداً يعلم اتجاه الأسعار بصورة منطقية في الوقت الحاضر, أو المستقبل القريب, وكل ما يصدر إنما هو اجتهادات فردية، بناء على الأوضاع السوقية السائدة, وهكذا الأسعار لكل السلع.
وعلينا ألا ننسى أن أسعار النفط قد مرَّت بالكثير من التقلبات والانخفاضات الوقتية والمستمرة، ثم تعود للارتفاع, أو هي كما كانت سابقاً مرتفعة، وتعود للانخفاض. لهذا، فليس هناك شيء دائم لهذه السلعة المهمة والاستراتيجية.
إنَّ العالم لن يستغني عن النفط في استخداماته المختلفة, ولن ينضب في الوقت الحالي, ولا القريب المنظور, لكن ما يقلق المنتجين هو انخفاض الأسعار, واستمرار ذلك الانخفاض لمدة طويلة, ولاسيما أن تلك الدول اعتادت على نمو سكاني مرتفع، ومصروفات حكومية كبيرة, مع مساهمة قليلة من القطاع الخاص, إضافة إلى أن مساهمة القطاع الخاص مرتبطة بمصروفات الحكومة، وهكذا يكون الارتباط الوثيق بين القطاع الخاص والحكومة في المجال الاقتصادي كبيراً.
إن استمرار الانخفاض في أسعار النفط لفترة طويلة يعني أن يتوجه القطاع الخاص لتصدير منتجاته إلى الأسواق الأخرى في حرب ضروس, لا يستمر فيها إلا أصحاب الكفاءة الإنتاجية العالية القادرة على المنافسة, وأخذ نصيب من الأسواق الأخرى, وجلب عملة صعبة، تضيف للاقتصاد مزيداً من الثبات والرسوخ, وتقوي العملة المحلية.
والفرد أو العائلة في هذه المنظومة يلعب دوراً بارزاً بنمط استهلاكه في مساعدة الدولة على التعامل مع أي معطيات جديدة, وعلينا أن نعرف أن نصف ما يتم شراؤه من طعام في بعض الدول يذهب إلى صناديق القمامة وبطريقة عشوائية, مخلوطاً مع الأوراق, والبلاستيك, والحديد, والزجاج؛ ما يجعل الاستفادة من إعادة تدويره صعبة جداً.
لعل الجميع يتذكر أن أسعار النفط وصلت في فترة معينة إلى سبعة وثمانية دولارات للبرميل, واستمرت على ذلك مدة طويلة, ولم تتوقف عجلة الاقتصاد، واستمرت التنمية.
إن الاستقرار السياسي والاجتماعي هو الأهم والأسمى والأعلى مطلباً, ومعه يكون ترتيب الاقتصاد بما هو متاح من إيرادات من هنا وهناك؛ فمع الاستقرار والأمن تستمر الحياة بحلوها ومرها, أما مع ضياع الأمن فيكون كلها مراً وسُمَّا زعافاً، كما هي حال بعض الدول، ولاسيما دول منطقتنا العربية، مع كل أسف.
إن انخفاض أسعار النفط سيكون له تبعات سلبية وإيجابية؛ ولهذا فعلينا قبوله، والتعامل معه بكل هدوء وطمأنينة.