لا أحد يمكنه أن ينكر أهمية النفط للدول المنتجة والدول المستهلكة على السواء، ولا أحد ينكر أثره وتأثيره على الاقتصاد العالمي والأسواق العالمية، ولا أحد أيضاً يغفل دوره في الحروب، ولا دوره في تغيير أنماط الحياة وسلوك البشر.
إن كان هذا كله أو جله مرتبط بالنفط، فلا غرابه أن يتحدث الناس عنه، ويهرعون إلى بيع أسهمهم، إن حل به انخفاض في الدول المنتجة، أو يسارعون إلى الشراء إن زاد السعر، أو استقر عند سعر بعينه، غير أن التساؤل الذي دائماً ما يتم طرحه من قبل البعض، هو أين سيستقر السعر، وهل ذلك الاستقرار مؤقتاً أو طويل الأمد، وهل هناك بدائل للنفط من جنسه، أو هناك بدائل أخرى مثل الطاقة الشمسية، أو طاقة الرياح، أو الطاقة الحيوية، أو الطاقة النووية، وهل هناك جديد من صنوف الطاقة، يمكن أن يحد من حاجة الناس إلى النفط، وهل النفط ناضب في القريب العاجل في دول مختلفة، أو أماكن معينه، وهل ستكون حصة النفط الصخري كبيرة جداً لدرجة تؤثر على نصيب النفط الأحفوري المعتاد، وهل في العالم كميه منه تستطيع المنافسة، وهل هناك مخزون منه يستمر مدة في منافسة للنفط المعتاد، وهل تكاليف إنتاجه منافسة للآخر، وهل سيكون هناك تقنية جديدة تقلل من تكاليفه؟ أسئلة كثيرة وتساؤلات عديدة.
ليس من الصواب الادعاء بالقدرة على الإجابة على جميع الأسئلة، وليس أيضاً من الإنصاف أن يدعي الإنسان أنه غير قادر على الإجابة على جميع تلك التساؤلات، كما أن الإجابة بنعم تحتاج إلى نسبة معينة لكل جواب على سؤال، وليس يقيناً مطلقاً.
إن السعر الذي سيقف عنده البترول لا تحدده المضاربة بمفردها، ولا يحدده قانون العرض والطلب، والأيدي الخفية لآدم سميث بمفردها، وإنما يتحدد بعدد من العوامل التي تؤثر وتتأثر به، إلا أن قانون العرض والطلب سيظل السبب المطاع، والقائد الذي لا ينصاع، وهو الفاعل الرئيس، وما حوله إنما هي ذات آثار وقتية، أو عوامل لا تلبث أن تزول.
هناك من سيدعي أن وراء الانخفاض الحالي دوافع سياسية، وغايات خفية، وإخضاع لدول، وإفقار أخرى، وهذا في نظري الشخصي وهم ساد ومازال يسود عند من يؤمنون بنظرية المؤامرة، ويحيلون كل شاردة وواردة إليها، وكأن الكون كله مؤامرات لا شيء يسير دونها، ولا عمل يتم بغيرها، وهذا شرك يصعب الفكاك منه، والحقيقة من أمد التاريخ أن هناك الكثير من المؤامرات والمماحكات، والدسائس، لكن ليس من العدل أن يعزى كل شيء إليها، وربط كل خيط بها، فهناك نواميس الحياة المعتادة التي صنعها الله في هذا الكون لتسييره دون تدخل الإنسان، ومن ثم فإن الإنسان يدخل بخيره وشره، فيستفيد من تلك النواميس بما يشاء من خير لدى الخيرين، أو شر لدى الأشرار، أو مكائد لدى الطامعين الذين لا يهمهم إلا ذاتهم ومالهم وسلطانهم ونفوذه، سواء كان ذلك على مستوى الدول، أو الأفراد، وبين القريب والبعيد، والمؤمن وغير المؤمن.
الانخفاض الحالي في أسعار النفط، حدث بفعل الفائض من المعروض في السوق، وليس بفعل فاعل، وهذا أمر طبيعي عند سعر مرتفع، مع وجود بدائل قادرة على الصمود في ظل ذلك السعر، ولذا تدخل إلى السوق آبار نفطية، لم تكن قادرة على المنافسة، وحل النفط الصخري السيئ السمعة على البيئة، وجاء كوافد جديد، ولهذا فقد حدث فائض يربو على ستة ملايين برميل يومياً، ولا بد لهذا من التأثير على السعر مهما كانت القوى الفاعلة، وليس من العدل ولا الإنصاف أن تتحمل منظمة الأوبك، ذلك الفائض بخفض إنتاجها ليحل محله نفطاً تنتجه دول أخرى لا ترغب في التعاون وخفض إنتاجها، وتريد أن تزيد من حصتها في السوق على حساب نفط أوبك، مع أن الكثير من دول أوبك تنتج النفط بتكلفة تقل عن تلك التكلفة التي يتحملها النفط الصخري، أو آبار أخرى في دول معينة.
إنّ ما اتخذته منظمة أوبك وعلى رأسها المملكة العربية السعودية قرار صائب لا بد منه، ولا خيار غيره، وسيظل في السوق من يستطيع البقاء، ويخرج من لا يقدر على المواصلة وهذا هو ناموس الحياة السائد منذ الأزل.
وسيخرج أصحاب النفط ذي التكاليف المرتفعة ليستقر عند سعر معين يمثل التوازن المطلوب، وسيكون سعراً مجزياً، ولهذا فلا خوف على سوق الأسهم في البلدان المنتجة على المدى المتوسط والطويل.