| |
نوازع يوم عرفة د. محمد عبدالرحمن البشر
|
|
في هذا اليوم العظيم المبارك يجتمع المسلمون في عرفة راجين الباري عزَّ وجل أن يقبل دعاءهم، ويجعل حجهم حجاً مبروراً وسعيهم سعياً مشكوراً وتجارتهم تجارة لن تبور، يجتمعون وما في أفئدتهم غير الله، وليس من مطامعهم غير رجاء القبول، وما يدور في خلدهم سوى الفوز برضاء رب العباد، الخالق الرازق الباري المصور رب العالمين. جاء في سنن البيهقي عن عباس بن مرداس - رضي الله عنه - أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- دعا عشية عرفة لأمته بالمغفرة والرحمة وأكثر الدعاء، فأوحى الله تعالى إليه إني قد فعلت إلا ظلم بعضهم بعضاً، وأما ذنوبهم فبما بيني وبينهم فقد غفرتها، فقال: (يارب إنك قادر على أن تثيب هذا المظلوم خيراً من مظلمته، وتغفر لهذا الظالم) فلم يجبه تلك العشية، فلما كان غداة المزدلفة أعاد الدعاء فأجابه الله تعالى: (إني قد غفرت لهم)، فتبسم رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، فقال له بعض أصحابه: يا رسول الله تبسمت في ساعة لم تكن تبتسم فيها، قال: تبسمت من عدو الله إبليس، إنه لما علم أن الله - عز وجل - قد استجاب لي في أمتي أهوى يدعو بالويل والثبور ويحثو التراب على رأسه). هنيئاً لحجيج الرحمن، هنيئاً لهذا الجمع المبارك الكريم الذي قد رجا من عند الله من مغفرة ورحمة، هنيئاً لهم مهللين مسبحين حامدين عابدين، هنيئاً لهم متضرعين خاشعين متوجهين بقلوبهم إلى خالقهم، ودموعهم تنساب على خدودهم وهم بين الخوف والرجاء. وفي تفسير ابن كثير أخرج ابن وهب عن عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما - أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تلا قول إبراهيم عليه السلام {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ} (36)سورة إبراهيم، وقول عيسى عليه السلام {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} (118) سورة المائدة، ثم رفع يديه ثم قال: (اللهم أمتي، اللهم أمتي، اللهم أمتي)، وبكى فقال الله: اذهب يا جبريل الى محمد - وربك أعلم - وسله ما يبكيك؟ فأتاه جبريل - عليه السلام - فسأله فأخبره رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ما قال، فقال الله: اذهب إلى محمد فقل له: إنا سنرضيك في أمتك، ولانسوؤك. يارب إنا نسألك في هذا اليوم الفضيل رحمة من عندك تهدي بها قلوبنا، وتجمع بها أمرنا، وتلم بها شعبنا، وتصلح بها غائبنا، وترفع بها شاهدنا، وتزكي بها عملنا، وتلهمنا بها رشدك، وترد بها ألفتنا، وتعصمنا بها من كل سوء، اللهم أعطنا إيماناً ويقيناً ليس بعده كفر، ورحمة تنال بها شرف كرامتك في الدنيا والآخرة، اللهم إننا نعوذ بك من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وشماتة الأعداء، ونسألك عيش السعداء، ونزل الشهداء، ومرافقة الأنبياء، اللهم إننا أنزلنا بك حاجاتنا فإن قصر رأينا وضعف عملنا افتقرنا إلى رحمتك، ونسألك يا قاضي الأمور، ويا شافي الصدور، كما تجير بين البحور أن تجيرنا من عذاب السعير، ومن دعوة الثبور، ومن فتنة القبور، اللهم ما قصر عنه رأينا، ولم تبلغه نيتنا، ولم تبلغه مسألتنا من خير وعدته أحداً من خلقك أو خير أنت معطيه أحداً من عبادك، فإننا نرغب إليك فيه، ونسألك برحمتك يا رب العالمين، اللهم يا ذا الحبل الشديد، والأمر الرشيد إننا نسألك الأمن يوم الوعيد، والجنة يوم الخلود مع المقربين الشهود، الركع السجود، الموفين بالعهود، إنك رحيم ودود، إنك تفعل ما تريد، اللهم اجعلنا هادين مهتدين، غير ضالين ولا مضلين، سلماً لأوليائك وعدواً لأعدائك، نحب بحبك من أحبك، ونعادي بعداوتك من خالفك، اللهم هذا الدعاء ومنك الإجابة سبحان الذي لا ينبغي التسبيح إلا له سبحان ذو الفضل والنعم، سبحان ذو الجلال والإكرام. اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا تنزع عنا صالح ما أعطيتنا. اللهم اجعلنا من الشاكرين، واجعلنا من الصابرين، واجعلنا في أعيننا صغاراً، وفي أعين غيرنا كباراً. اللهم كاشف الغم، مفرج الهم، مجيب دعوة المضطرين إذا دعوك، رحمان الدنيا والآخرة ورحيمها ارحمنا في حوائجنا بقضائها، وارحمنا رحمة تغنينا بها عن رحمة سواك.
|
|
|
| |
|