جُبلت النفوس البشرية على حب من أحسن إليها من الكرام الأسخياء، فهم محبوبون عند خالقهم، ولدى محبيهم وعارفيهم، كما أن الكثير من الشعراء قد تغنوا وأشادوا بأمجادهم، وخلدوا ذكرهم بغر قصائد تبقى على مر الدهور:

وفي مجتمعاتهم تسود الألفة والوئام ودوام المحبة، لأن النفوس فطرت على حب الكرام الذين يتألفون الناس بالتواصل والتواد وتلمُّس حاجات الضعفاء والمساكين، وإدخال السرور بين جوانحهم بإمدادهم بما يخفف عنهم وطأة العوز والعدم، فهم بذلك مثابون عند ربهم على فعلهم الجميل، كما أن إكرام القريب والصديق والعاني مما يقوي أواصر المحبة، ويقرب بين القلوب، ويغرس ذكراً حسناً، وأثراً حميداً في النفوس مدى الأزمان، ويقال إن الكرماء هم سادات الدنيا.. فالكريم مألوف يستعذب الناس ذكره كلما مرّ على المسامع اسمه أو لحظته العيون، فبدعوة من الأخ الكريم الأستاذ عبدالله بن محمد الشدي (أبو أحمد) لزيارته في مزارعه بوادي الدواسر عبر - ابنة الجو - حيث حجز عدداً كبيراً من المقاعد بالطائرة المتجهة صوب مطار الوادي لضيوفه عصر يوم الأربعاء 22-11-1427هـ - أثابه الله - وكان في استقبالنا هو وبعض أنجاله النجباء في قاعة استقبال القادمين، وقد أحضر حافلة عملاقة عدها لنقل وتنقلات ضيوفه، فسرنا على بركة الله إلى مقر الضيافة الفخمة متعددة الأجنحة والغرفات التي تمتاز بالنظافة، وجودة التأثيث، وجزالة الحطب حول النار:

المتربعة على مساحات واسعة جداً في وسط تلك المزارع التي تقدر أطوالها بـ10?10كم2، وتحف تلك المباني الجميلة واحات خضراء مزدانة بأنواع وأصناف المرزوعات من: قمح ونخيل وحبحب وبصل (عطر الأطعمة)...! وبرسيم ونباتات الرُّودس، وبعض الفواكه والخضروات...

فهذه المزارع تعد من أركان وكبريات المزارع المنتجة بالمملكة العربية السعودية - حرسها الله - حيث يوجد بها أكثر من مائة رشاش طويلات الأذرع والأبواع..! التي ساهمت وتساهم في تأمين الأمن الغذائي لبني البشر، والأعلاف الهائلة المتراكمة على حافات ونواحي محاور الري مهيئة للشحن، والناظر إليها يخال أنها جبال وآكام لكثرتها وارتفاع علو رصفها..، كل ذلك من فضل الله، ثم بالدعم القوي من حكومتنا الرشيدة التي لم تألُ جهداً في تشجيع المزارعين المنتجين أمثال (أبو أحمد) الذي أعدّ أبراجاً وصوامع على أحدث تصميم لحفظ ووقاية منتجات القمح التي تضارع الرمال كثرة ونقاوة..!

ولقد أعدّ برنامجاً للتجول في بعض نواحي سلة الغذاء الشدية، والاطلاع على الأعمال الجبارة داخل الورش والمستودعات، والمنتجات الزراعية والحيوانية، وبمحميته الآهلة ببعض أنواع الحيوانات البرية من غزلان ووعول، وأرانب، ومن طيور كثيرة متنوعة الأشكال والألوان، ولقد لفت نظري جمال تلك الظباء وهي رائعة في مراعيها مُتذكراً قول بن دريد في وصف مثلها حيث قال:

وبالمرور على الجمال التي يربو عددها على مائة جمل وخلفه.. كما شمل جدول البرنامج جلسات عدة تبودلت فيها أحاديث السمر، وأحاديث شيقة، ومطارحات أدبية ومساجلات شعرية..، كما أن المصلين في الجامع - الذي تفضل ببنائه لعماله ولمن حوله داخل المزرعة مجاوراً لمدخلها - أحد الضيوف من العلماء الأفاضل، وقد حث في خطبته على التمسك بأهداب الشريعة السمحة، وعلى حسن التعامل مع الغير، كما حث الآباء على الاهتمام بفلذات أكبادهم ورعايتهم، وتوجيههم التوجيه الصحيح الأمثل في التمسك بالأخلاق الحميدة وبالعقيدة السمحة ليكونوا أعضاء مخلصين في خدمة وطنهم وأهله مُبتعدين عما يشينهم ويسيء إلى وطنهم الذي أقلتهم أرضه، وظللتهم سماؤه.

والحقيقة أن هذه الرحلة الممتعة، وحسن اختيار الأستاذ عبدالله لتلك النخبة الخيرة من الضيوف يدل على ما يتمتع به من حنكة وخلق كريم، وحفاوة متناهية بمن يحل ضيفاً عنده - أكثر الله من أمثاله وبارك في حياته - وبعد تناول طعام الغداء امتطينا الحافلة نحو المطار مودعين وشاكرين لأبي أحمد على كرمه الحاتمي الطائي، ولسان حال الجميع يردد هذا البيت: