| |
حتى لا يفلت الجنون من عقاله
|
|
يبدو أن تقليعة الانقسام الداخلي التي بدأت تنتشر في العالم العربي وتستشري في بعض دوله قد انتقلت بشكل واضح إلى الأراضي الفلسطينية؛ فكما هو الحال في لبنان حيث يترنح المجتمع بين أكثرية حاكمة وأقلية معارضة، ها هي الساحة الفلسطينية تئن تحت وطأة تراكمية خلافات الداخل المتأزم وتباين فلسفات إدارة الصراع مع إسرائيل بين حركة المقاومة الإسلامية حماس وفتح الرئاسة. ومع أن عقلاء الفلسطينيين كانت لهم وقفة مشرفة تمثلت في التوصل إلى وقف إطلاق النار بين فرقاء السلاح, وهو ما أتبع بدعوة من حكومة حماس ورئاسة فتح إلى التهدئة، إلا أن هذه التهدئة لم تصمد أكثر من ثمان وأربعين ساعة؛ حتى بادر إلى خرقها صغار المقاومين إن جاز أن تطلق عليهم صفة المقاومة التي هي أكبر بكثير من تصرفاتهم اللا مسؤولة والرعناء التي بدأت تنسلخ من روح المقاومة وتتعرى من هوية النضال لترتدي رداء التحزب والتقوقع حول مصالحها الشخصية والحزبية والقبلية التي أصبحت في تضارب واضح مع المصلحة الفلسطينية العليا التي كان من المفترض أن تسقط أمامها جميع معايير الشخصنة ومفاهيم التخوين. لقد بات الوضع الفلسطيني بحاجة ماسة إلى عملية ضبط وحزم مع كل من ركب قطار المقاومة مؤخراً من قادة الفصائل أو كوادرهم الصغار الذين أضحى الإجماع الوطني وحرمة الدم الفلسطيني لا يعنيان لهم الشيء الكثير, وأصبح قطبا الساحة السياسية الفلسطينية ومحورا الأزمة الحالية، ونعني بهما حركتي حماس وفتح، أمام مطلب ضروري وتاريخي يتمثل في لجم جماح هذه العناصر وإيقاف عبثها بمصير الشعب الفلسطيني؛ ذلك العبث الذي وصل حدّ تبادل إطلاق النار في محيط إقامة الرئيس الفلسطيني، وإطلاق الرصاص على مواكب الشخصيات الحكومية والسياسية، وقصف جنوب إسرائيل في الوقت ذاته بالصواريخ لاستعداء العدو الصهيوني وإدخاله على خط النزاع، وكأن هناكأيادي خفية أصبحت لها مصلحة خاصة في تدمير الوحدة الفلسطينية من خلال خرق تهدئة الفصائل وجلب الوبال على الشعب الفلسطيني بإنهاء وقف إطلاق النار مع إسرائيل في دعوة مفتوحة لآلة الحرب الإسرائيلية إلى العودة للقتل والتدمير والاغتيال المنظم. إن أخطر ما تمرّ به القضية الفلسطينية في هذه المرحلة الحساسة هو إشكالية توجيه بوصلة السلاح وتحديد أهدافها؛ فعندما تصبح فوهات البنادق موجهة إلى نحور الإخوة بعضهم إلى بعض، وفي الوقت نفسه ترسل الصواريخ إلى إسرائيل، فإننا نجد أنفسنا أمام واقع أضحت فيه فلسفة السلاح المناضل وشرعية المقاومة الشريفة على المحك.
|
|
|
| |
|