| |
الدكتورة عائشة المسند، والتاريخ العسكري السعودي محمد بن ناصر الأسمري(*)
|
|
قرأت في الصحف نعي الزميلة الفاضلة الدكتور عائشة علي المسند - غفر الله لها - وحزنت كثيراً، لكن لا نملك إلا ما يقوله الصابرون: {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}، وفي ظني أنني لست الوحيد الذي حزن لوفاة عائشة من خارج إطار عائلتها، وأعني هنا عضوات وأعضاء الجمعية السعودية للتاريخ، وكل من عرفها في الساحة الفكرية، وطالباتها وزميلاتها في كليات البنات، وربما بعض الخيرين من قادة القوات المسلحة. أنا لا علاقة لي أو معرفة بالفقيدة سوى العلاقة الفكرية والانتماء الوطني، لكن الأكثر هو أنها كانت الرائدة في البحث والتأريخ لدور المملكة العربية السعودية في القضية الفلسطينية، من خلال كتابها النفيس : المملكة العربية السعودية وقضية فلسطين 1357 - 1368هـ الصادر عام 1992 عن دار المريخ. وبهذا فهي حسب علمي أول باحث سعودي يطرق بمنهجية علمية هذا الموضوع، وقد عانت - رحمها الله - الأمرين في إعداد كتابها من خلال عدم التعاون من القطاع العسكري ومن بعض القيادات العسكرية ممن كان لهم أدوار في الأحداث، وقد سعدت أن كتبت عن الجيش السعودي في حرب فلسطين، وقلت في كتابي: لعل العمل الفكري التوثيقي التاريخي الوحيد الذي كان له الريادة في هذا الموضوع هو ما قامت به عائشة علي المسند (1992) في كتابها (المملكة العربية السعودية وقضية فلسطين) الذي وثقت فيه شيئاً عن المشاركة السعودية وأسماء الشهداء والجرحى من خلال مقابلتها لأحد الضباط الأحياء من الذين شاركوا في حرب عام 1948م، وثلاثة آخرين لم يشاركوا فيها من كبار الضباط الذين عملوا في القوات المسلحة السعودية، وعملي هذا أتى بحول الله وعونه متكاملاً مع ما قامت به عائشة المسند ولها الريادة والسبق ؛ وعملي قد توسع في الإفصاح عن معلومات جديدة عن المشاركة العسكرية..الخ، وقد سعدت بالتواصل معها - غفر الله لها - أثناء بدء بحثي، ثم بعد ندوة فلسطين التي عقدتها دارة الملك عبد العزيز، عام 2001م، وأثناء مؤتمر الجمعية التاريخية الخليجية في الدوحة قبل ثلاث سنوات وكانت من الباحثين في ذلك اللقاء، لم أرَ لها وجهاً فقد كانت منتقبة شريفة عفيفة، جريئة في قول الحق، شجاعة في الرأي؛ وبارعة في البحث العلمي الجاد، ولا إخالها بين طالباتها إلا نعم الأستاذة المعلمة والمربية. كان لها - رحمها الله - موقفاً صارماً مع مقدمي أحد البحوث المقدمة في ندوة قطر، كانت محقة إلى حد معقول، لكنها قبلت مني إيضاح الموقف الذي أرادته، بعد أن طلبت منها أن نجتمع وإياها مع الرجل، وبعد الإيضاح تم تسوية اللبس الذي ساور الرجل بسبب موقف عائشة، لقد فرحت بهذا وقدرت الموقف وتفهمت والرجل أيضاً ما كان السبب. أعرف لعائشة - غفر الله لها - فضل المعاونة لعدة طالبات شفعت لهن لديها، واستجابت بما لا يحرم مستحقاً ولا يقدم غير مستحق، وهذه شيمة وقيمة لأفاضل الناس. لقد رحلت عائشة المسند إلى دار القرار، وليس لها منَّا إلا الذكر الطيب والابتهال إلى الله جل وعلا أن يرحمها ويسكنها الجنة. إن عائشة نبتة وطن تستحق أن تظل ذكرى مورقة، في الرؤية والرأي في سجل مؤرخي وطننا وفي ذاكرة الساحة الفكرية وفي المكتبة العربية وساحة النضال الفلسطيني. وأتمنى أن تكون أيضاً في ذاكرة القوات المسلحة السعودية الباسلة، وإزاء هذا فعسى الله أن يأتي بأمره في أن يكون لها اسم قاعة في أحد مرافق التعليم في الوطن ولعلي هنا أطالب الزميلات والزملاء في الجمعية التاريخية، ودارة الملك عبد العزيز بتخصيص جائزة للبحث التاريخي باسم عائشة المسند، فهي مستحقة ومؤهلة في حياتها ومماتها. وما هذا بمطلب عزيز ففي الوطن نساء ورجال يعرفون أقدار الرجال والنساء المبرزين وبالذات في مجالات الفكر الإنساني، وعائشة منهم والذكر بالذكر، فإن الزميلة الفاضلة الدكتورة فاطمة السلوم - حفظها الله - نجم في سماء التأريخ والتوثيق لتأريخ الجيش السعودي، كانت معاناتها أكبر في سبيل إعداد كتابها عن نشوء الجيش، فقد نالها عدم الاكتراث أو الاهتمام، لكنها بالصبر والمثابرة حققت مرادها ونالت الدكتوراه، ثم طورتها إلى كتاب بات من المراجع المفيدة في التاريخ العسكري السعودي. أترحم على عائشة المسند، وأعزي أهلها وزوجها وأبناءها وبناتها، بل إني أعزي الوطن في مواطنة خدمت العلم والتعليم، ولا حول ولا قوة إلا بالله. Alwakad.net
|
|
|
| |
|