طموحات إيران النووية
عبد الله بن راشد السنيدي

تقع جمهورية إيران الإسلامية على شريط طويل من الساحل الشرقي للخليج العربي الذي تطل عليه أيضاً سبع دول عربية هي المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان ودولة الكويت ومملكة البحرين ودولة قطر والعراق، وهو ما يدل على أن الدول العربية تشكِّل المساحة الأكبر في الإطلال على هذا الخليج، ومع ذلك فإن إيران تدّعي خصوصيتها بالخليج بدليل أنها لا تزال تسميه بالخليج الفارسي، كما أن الدول الغربية ومنها الولايات المتحدة الأمريكية كانت تعتبر إيران في عهد الشاه (شرطي الخليج) مما شجع الشاه على المطالبة بالبحرين عندما قرّرت بريطانيا الخروج منها سنة 1971م إلا أن هذه المطالبة أجهضت في هيئة الأمم المتحدة التي أيّدت استقلال البحرين، كما شجع ذلك الشاه لاحتلال ثلاث جزر تابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة سنة 1970م ولا تزال إيران تحتل هذه الجزر رغم مطالبة دولة الإمارات العربية المتحدة بها أو اللجوء إلى التحكيم الدولي بصددها وتأييد دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لهذا المطلب وإيران لا تزال ترفض إعادة هذه الجزر وترفض اللجوء للتحكيم الدولي حولها، وبعد قيام الثورة الإيرانية سنة 1979م على أساس عقدي حاولت إيران تصدير مبادئ ثورتها للعراق ودول الخليج وقد حال دون ذلك الحرب التي نشبت بين العراق وإيران سنة 1980م والتي استمرت ثماني سنوات.
وقد استبشر بعض العرب خيراً بقيام الثورة الإيرانية وسقوط نظام الشاه وأن إيران سوف تعيد الجزر الإماراتية إلى دولة الإمارات العربية المتحدة وأن العلاقات العربية والإيرانية سوف تتطور على أساس التعاون وذلك بحكم الجوار وبحكم الدين الواحد, إلا أن إيران بدلاً من ذلك أصبحت حليفاً للمنظمات المتشددة في لبنان وفلسطين واعتبرت نفسها من دول المواجهة مع إسرائيل. كما تحالفت مع الولايات المتحدة في إسقاط عدوها اللدود على حدودها الشرقية (حكومة طالبان)، كما تحالفت مع الولايات المتحدة لإسقاط عدوها اللدود على حدودها الغربية (نظام صدام) مما أتاح لها الفرصة الذهبية التي لم تحققها في عهد صدام للتدخل في شئون العراق الذي لا يزال العراق يدفع ثمنه، وبعد ذلك تفرغت إيران لبناء قوة مسلحة كبيرة ثم إنشاء المفاعل النووي الذي واجه معارضة قوية من دول الغرب وإسرائيل لشكوكهم في الغرض الذي من أجله أنشئ هذا المفاعل لكون إيران لديها مقومات الطاقة التي تغنيها عنه وأن الشاه في أوج قوته لم يفكر فيه ولا يوجد لها عدو مجاور يملك هذا السلاح كما هو الشأن بالنسبة لباكستان التي قد يكون لها العذر في صنع السلاح النووي باعتبار أن الهند عدوها التقليدي يملك هذا السلاح، مما قد يدلّل أن هدف إيران من المفاعل النووي ربما يكون إنتاج السلاح النووي وخصوصاً أن إيران بدأت في تخصيب اليورانيوم وهو المادة اللازمة لصنع السلاح الذري.
وخلال فترة المساجلات بين إيران من ناحية ودول الغرب وإسرائيل من ناحية أخرى حول هذا المفاعل والتي لا تزال مستمرة انتهجت إيران مع دول الخليج العربية سياسة التهدئة والطمأنة وركَّزت معها على أن المفاعل النووي هو من أجل الأغراض السلمية لأن إيران تدرك أن وقوف دول الخليج مع دول الغرب في التصدي لأهداف إيران النووية سوف يزيد موقفها سوءاً إلا أنه مع ذلك فإن دول الخليج لا تزال ترى أن أهداف المفاعل النووي الإيراني ينبغي أن تكون محصورة في الأهداف السلمية، وقد أكدت دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ذلك خلال قمة المجلس التي عُقدت مؤخراً في الرياض وذلك عندما طالبت إيران بالاستمرار في المفاوضات التي تجري مع دول الغرب وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية من أجل هذا الهدف لأن مجرد ما أبدته إيران لدول الخليج من تهدئة وطمأنة لا يكفي للتأكد من الأهداف الفعلية لمفاعلها النووي.
ودول الغرب وإن كان هدفها الأساسي من تصديها للطموحات الإيرانية النووية هو حماية إسرائيل خاصة بعد التهديدات المتوالية التي صدرت من إيران ضد إسرائيل وتشكيكها في محرقة اليهود في ألمانيا فإن دول الخليج أيضاً معنية بحماية نفسها من هذه القوة الإيرانية النووية وذلك بالتأكد بطرق علمية من الحكومة الإيرانية من أن الهدف من المفاعل النووي الإيراني سلمي بحت وذلك أن امتلاك إيران وهي التي تقع على الساحل الشرقي للخليج للسلاح الذري ليس في صالح دول الخليج على الإطلاق، إذ إنه قد يأتي في إيران بعد امتلاكها السلاح النووي نظام يقوم بابتزاز دول الخليج كلما حانت له الفرصة، كما أن امتلاك إيران للسلاح النووي سوف يؤدي إلى استمرارها في احتلال جزر دولة الإمارات وقد تطالب بمناطق أخرى وسوف تكون منطقة الخليج غير مستقرة وسيؤثِّر ذلك على اقتصادها وعلى استمرارية ضخ وتصدير الطاقة منها ونحو ذلك من الآثار غير الإيجابية بالنسبة لدول الخليج، ولعل ما أصدره مجلس الأمن الدولي مؤخراً بعدم تعاون المجتمع مع إيران فيما يتعلق بالتقنية اللازمة لصنع السلاح النووي بداية لإنهاء هذا الإشكال حول المفاعل النووي الإيراني على الرغم من أن إيران قد عقبت على هذا القرار بأنها سوف تستمر في تخصيب اليورانيوم، وهو أمر مؤسف وقد يكون من المؤشرات على أن إيران تسعى بالفعل لأن تكون دولة نووية مما يتطلب من دول الخليج متابعة هذا الموضوع بدقة متناهية.