| |
(لطائف الحيل) الكورية نايف بن بندر السديري
|
|
دهش العالم يوم التاسع من أكتوبر الماضي إثر قيام كوريا الشمالية بإجراء أول تفجير نووي تحت الأرض. مصدر الدهشة ليس فقط تمكين بيونغ يانغ من امتلاك السلاح الأكثر فتكا في العالم، بل قدرة كيم جونج إيل على الاحتيال على دول عظمى ممثلة في المحادثات السداسية الرامية إلى إيجاد تسوية تحد من ابتزاز بيونغ يانغ النووي بعد انسحابها من معاهدة عدم الانتشار المعروفة اصطلاحاً NPT، التي تعرضت لانتكاسة قوية من بعد انسحاب كوريا الشمالية منها عام 2003م وأعلنت أنها أنتجت كمية كافية من البلوتونيوم لبدء إنتاج قنابل نووية. كما أعلنت الانتهاء من معالجة ثمانية آلاف طن من قضبان الوقود النووي وبالتالي حصولها على مواد كافية لإنتاج ما يقرب من ست قنابل نووية. وكانت المحادثات السداسية بدأت منذ أواخر عام 2002م بمشاركة الولايات المتحدة وروسيا وكوريا الشمالية وكوريا الجنوبية واليابان والصين، إلا أنها لم تحرز الكثير من التقدم، وقد أستؤنفت مؤخراً بعد انقطاع دام عدة أشهر.. بدأ (كيم جونج) ينهج سياسة خاصة لا يمكن إلا أن توصف بالحكمة والدهاء وهي الانفتاح خطوة فخطوة على طريقة القائد الصيني الراحل دنغ، أي الاحتفاظ بالنظام الشيوعي مع إدخال إصلاحات اقتصادية واجتماعية لا تؤدي إلى انهيار النظام أمام الزحف الأمريكي الذي قال قد يحول الشماليين في نهاية المطاف إلى مجرد عمال في مصانع الشطر الجنوبي من شبه الجزيرة الكورية، وهكذا بدأ (كيم جونج) سياسة جديدة تعرف كيف تتعامل مع حقائق السياسة الدولية في حقبة ما بعد انتهاء الحرب الباردة. يتميز بالغموض. مقل في ظهوره وحديثه في وسائل الإعلام.. يخشى ركوب الطائرات لذلك فهو لا يسافر كثيراً وتقتصر سفرياته على الدول المجاورة لحدوده مثل روسيا والصين مستخدما القطار.. يحمل لقب الزعيم العظيم داخل بلاده! إن ما يطلق عليه الإيرانيون تسمية (لطائف الحيل) حين تلجأ طهران إلى المراوغة في محادثاتها مع الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن زائداً ألمانيا بشأن ملفها النووي الواعد، أصبح نهجاً مألوفاً لدى بيونغ يانغ. وجسدت ذلك الفن من خلال التصريحات والأفعال المتناقضة من خلال ردودها على العروض التي طرحت في اجتماعات اللجنة السداسية. ما يقلق المراقبين الآن، هو احتمال دخول اليابان وكوريا الجنوبية في سباق تسلح نووي بهدف ردع الجارة المتهورة، يؤدي إلى توتر في منطقة شمال شرق آسيا برمتها وهي المنطقة الاستراتيجية الموعودة بالرخاء والموسومة دائماً باستقرار مشوب بالحذر. وكان مجلس الأمن أقر مؤخراً بالإجماع القرار رقم 1718 الذي يفرض عقوبات مالية على كوريا الشمالية، وحظرا عل تصدير المواد التي تدخل في إنتاج الأسلحة النووية، ولم يتضمن -القرار- التهديد باستخدام القوة العسكرية. وقد اعترضت الصين على الفقرة الخاصة بالتفتيش التي تضمنها القرار وكان مندوب الصين الدائم لدى مجلس الأمن وانج جوانجيا قد أبدى تحفظ بلاده بشأن سماح القرار للمجتمع الدولي بتفتيش كل الحمولات الواردة على كوريا الشمالية، قائلاً إنه ينبغي تفادي (كل عمل استفزازي من شأنه زيادة التوتر) تخشى الصين أن تتم عمليات التفتيش خارج إطار قرارات الشرعية الدولية، وتستخدم في ذلك المبادرة الأمنية الأمريكية لحظر الانتشار PSI. وقد أطلقت واشنطن هذه المبادرة عام 2003م بهدف منع وصول الأسلحة إلى كوريا الشمالية وإيران ودول أخرى موضع قلق واشنطن. وطُلب من الدول المشاركة في المبادرة أن تقوم بتفتيش الطائرات والسفن التي يشتبه أنها تحمل مواد متعلقة بالأسلحة النووية. امتلاك بيونج يانج سلاحا نوويا يمنحها بطبيعة الحال ورقة قوية للمساومة وتحقيق مكاسب هي في أمس الحاجة لها نظرا لوضعها الاقتصادي المتردي، وقرار مجلس الأمن الجديد لن يصيبها بأي ضرر. فليس لديها سلع يمكن حظر تصديرها كما لا تستورد أي سلع في المقابل، فهي تحصل على مساعدات إنسانية سوف يستمر تدفقها لمنع حدوث مجاعة يمكن أن تؤدي إلى نزوح كثيف لمواطنيها باتجاه الحدود الشمالية المتاخمة للصين. فالصين لن تقبل بلاجئين في المناطق الواقعة على الحدود مع كوريا الشمالية نظراً لوجود صناعات ثقيلة تخشى أن يتسبب النازحون في حدوث أي زعزعة لاستقرارها في حال إلحاحهم في طلب وظائف في تلك المصانع. كما أن امتلاك بيونغ يانغ هذا السلاح يمهد الطريق لدول أخرى متحفزة للمضي قدما في برامجها الهادفة إلى امتلاك قدرات نووية للأغراض العسكرية، وتتجه الأنظار إلى الجهة المقابلة من القارة الآسيوية وتحديداً إيران التي تشبه حالتها من ناحية المفاوضات الحالة الكورية الشمالية على الرغم من وجود فارق كبير من ناحية حسابات الربح والخسارة في حال إقدام إيران على تحد سافر للمجتمع الدولي، فإيران ببساطة هي دولة كبرى في صادراتها ووارداتها، وحتى لو تطلعت إلى وقوف روسيا والصين إلى جانبها نظرا لوجود مصالح مشتركة، فإن المصالح التي تربط روسيا والصين مع المجتمع الدولي أكثر عمقا وأهمية ولن تضحي بها الدولتان العظميان من أجل إيران. إن الحل الأمثل لهذه المعضلة الكونية يكمن في التخلص من كافة الأسلحة النووية طوعا ووضع معاهدة دولية تضمن ذلك، تقوم الدول النووية بالتوقيع والمصادقة عليها قبل مطالبة الدول غير الحائزة على أسلحة نووية بالتوقيع على مثل هذه المعاهدة، التي يصعب تبنيها في ظل المعطيات الدولية الراهنة.
|
|
|
| |
|