| |
صحراء تنضح بالحياة
|
|
عزَّزت المملكة مكانتها كأكبر منتج للمياه المحلاّة بالشروع في مشروع هو الأكبر من نوعه في العالم للتحلية ولإنتاج الكهرباء معاً، وهو يأتي في إطار الملحمة التنموية المتواصلة منذ عدّة عقود من الزمان، راسمة في الصحراء واحات تعجُّ بالحياة والحركة والتوثُّب والطموح. فقد عملت العشرات من محطات التحلية المنتشرة على ساحليْ الخليج والبحر الأحمر، طوال سنوات على توفير المياه العذبة، التي لولاها لعانت كثيراً المملكة المترامية الأطراف وذات الطبيعة، غير أنّ هذه البلاد تمكّنت من خلال التحلية، من تفادي المعضلة التي تعاني منها عدّة دول بسبب تراجع مخزونات المياه لديها، وكانت التحلية هي الخيار الأوفق في سنوات التخطيط الأولى من ضمن خيارات عديدة. والآن فإنّ شرايين وأنابيب مياه التحلية تمتد آلاف الكيلومترات من السواحل إلى داخل هذه الدولة القارة، وأصبح إنتاج المملكة من مياه التحلية أكثر من 8 ملايين جالون في اليوم، ومع بدء الإنتاج في المحطة الجديدة بالجبيل، التي تتكلّف 12 مليار ريال، في منتصف العام 2009م، سيرتفع الإنتاج بطريق تلبِّي الاحتياجات الجديدة خصوصاً مع التوسُّع الهائل في المرافق التنموية، بما في ذلك المدن الصناعية الجديدة التي تتطلّب، من بين أشياء عديدة، كميات كبيرة من المياه. وفي تجربة المملكة مع التحلية وقفات مهمة، فإلى جانب التصنيف العالمي المتحقّق من جهة الإنتاج الكبير، فإنّ هذه القطاع أصبح رائداً فيما يتصل بعلم التحلية وأبحاثه وتطبيقاته وابتكاراته، وهو أمر يؤمل أن يتواصل ليحقق لهذه البلاد ما تصبو إليه من تحقيق الريادة الحقيقية في هذا المجال، بالقدر الذي يسهم في تلبية الاحتياجات المتزايدة للمياه، وبما يتيح التمكُّن من هذه التقنيات الرفيعة في عمليات التحلية، مع العلم أنّ التحلية تعتبر من العمليات الباهظة التكلفة، وتهتم بعض البحوث في المملكة بابتكار الحلول لخفض التكلفة والتوصُّل إلى وسائل أكثر نجاعة في العمل. الأمر الآخر يتصل بدخول القطاع الخاص في هذه العمليات، سواء الأساسية المتمثّلة في التحلية، أو الأعمال ذات الصلة بها، ما يعني أنّ هذا القطاع يثبت يوماً بعد الآخر أنّه أهلٌ للاضطلاع بالمشروعات الكبيرة التي كانت في يوم من الأيام قصراً على الدولة وحدها. وما تحقق حتى الآن يؤكد أنّ المملكة تكسب التحدي، وأنّ مساحات الصحراء الشاسعة لم تكن مدعاة للإحباط، بقدر ما كانت ملهمة لشد المئزر وإعمال الفكر وتجاوز الصعاب، وذلك من خلال الاستغلال الأمثل للإمكانات المتاحة، وهي هنا تحديداً المياه المالحة التي استحالت بفضل التقنيات الحديثة إلى مياه عذبة تروي الناس وتشكِّل رصيداً للأجيال القادمة، من خلال الحفاظ على المياه الجوفية، والأهم أيضاً هو ترسيخ صناعة ذات ملامح وطنية قادرة على التطوُّر والازدهار، مع الوضع في الاعتبار أنّ المياه باتت واحداً من أهم أسباب حروب المستقبل بسبب ندرتها وتراجع مخزوناتها.
|
|
|
| |
|