| |
من ثمرات الحج الشيخ عبدالله بن محمد آل خنين(*)
|
|
الحمد لله الذي فرض الحج على من استطاع من عباده، والصلاة والسلام على أشرف رسله وأنبيائه، أما بعد: فيقول الله تعالى: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُم} (27 - 27 ) سورة الحج.. فهذه الآية الكريمة تقرر بأن للحج ثمرات يحصلها الإنسان، منها: طاعة الله - عز وجل - بأداء هذا الركن العظيم، فالإنسان مخلوق لعبادة الله - تعالى - كما في قوله: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ* مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ* إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} ( 56 - 58 ) سورة الذاريات. ولأجل امتثال الإنسان أمر ربه وطاعته واتباعه لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - ينبعث الحاج من بلده قاصداً البيت الحرام والمشاعر المقدسة والمناسك المباركة تنفيذاً لأمر ربه: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}(97) سورة آل عمران، وتنفيذاً لأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - في قوله: (أيها الناس، إن الله فرض عليكم الحج فحجوا) (أخرجه مسلم). كما يجب على الحاج أن يكون حريصاً على موافقته للنبي - صلى الله عليه وسلم - الذي قال: (خذوا عني مناسككم) (أخرجه مسلم). وإن حرص المسلم على تنفيذ أمر ربه وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - في الحج يجب أن يأخذ منها المسلم درساً وهو أن يحرص على امتثال أمر الله - عز وجل - واتباع سنة نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - في كل أحواله وأيامه، وأن يكون المسلم وقافاً عند حدود الله دائماً، مؤتمراً بأمره منتهياً عما نهى عنه، فليس لعبادة المرء ربه حد محدود ولا موسم ينقطع بعده، بل استمرار على الطاعة حتى الموت، يقول الله تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} (99) سورة الحجر. إن النداء الذي كان يكرره المسلم في الحج بقوله: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك) يجب أن يستمر معناه في كل حين وآن، وأن تكون تلبية المسلم لربه باستجابته لأوامره واجتنابه لنواهيه واقتدائه بسنة محمد صلى الله عليه وسلم. ومن ثمرات الحج: وحدة المسلمين وترابطهم، فهم وإن نأت بهم الديار أو اختلفت ألوانهم وألسنتهم أمة واحدة يجمعها التوحيد. ولذلك جاء دعوة الله لها في كتابه الكريم: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ} (103) سورة آل عمران. وجاءت بها دعوة الرسول الكريم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً)، متفق عليه، زاد البخاري: (وشبّك بين أصابعه). وإن هذه الوحدة في التوجه والعبادة لله - عز وجل - ظاهرة في هذه الشعيرة، فإنك تجد المسلمين في الحج ينتقلون من مشعر إلى آخر في آنٍ واحد، ويجتمعون في صعيد واحد وفي موسم واحد، قد توافدوا من فجاج الأرض قاصيها ودانيها، دينهم التوحيد لله - عز وجل - هو الذي جمعهم في هذا الموقف العظيم، وساوى بين أبيضهم وأسودهم وسيدهم ومسوّدهم، وإن الأمة يجب أن تجعل من ذلك حادياً لوحدتها وتماسكها وتعاونها على البر والتقوى، فالمؤمنون إخوة كما قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (10)سورة الحجرات، وتنوعهم إلى قبائل وشعوب إنما جعله الله للتعارف والتآلف لا للتناكر والتخالف، يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}(13) سورة الحجرات. فليكن المسلمون إخوة متحابين متآلفين كالمرايا المتقابلة تنعكس صور بعضها في بعض، وليكن المسلمون إخوة مجتمعين موحدين ومتوحدين كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً، وليكن المسلمون إخوة متعاونين كالأيدي يغسل بعضها بعضاً. ومن مظاهر هذه الوحدة: 1- الأخوة الإسلامية، يقول الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}(10) سورة الحجرات. 2- التراحم والتواد بين المؤمنين، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) (أخرجه مسلم). 3- نبذ الفرقة والعصبية بلسان أو لون أو وطن، فالمسلمون أمة واحدة يسعى بذمتهم أدناهم هم يد على من سواهم، واختلاف الأنساب هو للتعارف والتآلف لا للتناكر والتخالف، يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} (13) سورة الحجرات. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - في العصبية بالقوم والقبلية الموجبة للتناكر والتباغض: (دعوها فإنها منتنة). 4- التعاون بين المسلمين، يقول الله تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (2) سورة المائدة. ومن مظاهر الوحدة بين المسلمين وحدة الأمة المسلمة نحو أهدافها: 1- بالالتزام بدينها وتبليغ دعوة ربها. 2- إزالة التخلف الحضاري عنها في التقنية وعلوم الحياة. 3- استعادة مجدها وهيبتها بين الأمم والشعوب. 4- استرداد مقدساتها وأراضيها من الكفار. أسأل الله أن يتقبل من الحجيج حجهم، وأن يجعله حجاً مبروراً.
(*) عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للبحوث والفتوى ،القاضي الأسبق بمحكمة التمييز بالرياض
|
|
|
| |
|