| |
حينما يفقد حبيب د. علي بن شايع النفيسة
|
|
نؤمن جميعا بحتمية الموت على كل نفس بشرية، وأن لكل أجل كتاباً، لكن تبقى الأسباب مدعاة للمؤاخذة القضائية ومجلبة للأحزان أو الغضب والرغبة في الانتقام أو التسليم حسب ظروف كل حادثة يفقد بها حبيب، وتختلف المدارس والنظريات العالمية في تحميل المسؤولية للفرد أو المجتمع ومن المعلوم جعل الدية في الإسلام في القتل العمد على العاقلة إشعارا لهم بمسؤوليتهم عمن يقع تحت طائلة وحدود مسؤوليتهم الاجتماعية والشرعية، إلا أننا نرى بعض المجتمعات ومن خلال سلوك أبنائهم المنعكس عن إيحاءاتهم التي يكتسبها الفرد لديهم من خلال أحاديثهم في مجالسهم وقصصهم التي يتفاخرون بها تدور حول العنف ونبش التاريخ الدموي والإنجازات العدوانية لأفراد القبيلة قديما وحديثا؛ مما يغرس في ذهن الناشئة مفهوما خاطئا عن الشجاعة (والمرجلة) بأنها مرتبطة بالاعتداء على الآخرين وسلبهم؛ مما لا يخفى من القصص التي يرويها السلف للخلف كمآثر للقبيلة أو لفلان من الناس أخذا بالفلسفة الجاهلية (من لا يظلم الناس يظلم) وقد يكون السبب للقتل (العبث المميت) المسمى بالتفحيط، وهذا الأمر رغم وقوعه غالبا من المراهقين إلا أن الكثير من ولاة أمورهم يشتركون معهم في الجرم وأخص من تغلب عاطفتهم تجاه أبنائهم على مصلحة وسلامة الآخرين بل لقد قرأت لأحد المفحطين أن والده دخل معه مراكز الشرطة لأكثر من تسعين مرة في مراجعات لقضايا تفحيط وسرقات سيارات لنفس الغرض، أليس هذا دعما له في تلك الحقبة المظلمة من حياته؟! إن كل ما ذكر آنفا مقدمة لما أريد أن أصل إليه من تكييف للوضع المؤلم لمحبي المفقود من والديه وبنيه وإخوته وأخواته وغيرهم من ذويه وأصدقائه لكن أخص والدي الإنسان خصوصا حينما يكون صغيراً، كأطفال المدارس الذين يذهبون ضحية للتفحيط، وكم سمعنا من القصص المؤلمة بهذا الشأن فلك أن تتصور أمه وهي تقبل ملابسه بعد فقده وتقلبها بحسرة وحزن وبكاء يكاد يقطع قلبها، ولك أن تتصور أخته الصغيرة وهي تلعب وحدها بعد فقد أخيها الذي كان يبادلها الضحكات والمزاح البريء براءة الأطفال الذين لم تخالط قلوبهم سوى المحبة والألفة والودِّ الصادق. نعم، هو قضاء وقدر لكن لولا اعتبار الأسباب لما سن القصاص ولا الديات ولا الكفارات. عقلاء المجتمعات ينادون بالتحذير من أفلام التحريض على العنف والقتل ويعتبرونها من أسباب جرائم المراهقين التي يموت بسببها الكثير من المراهقين والأطفال في مختلف دول العالم، وأشير إلى أن أغلب جرائم المراهقين تنتشر في الطبقات الأقل ثقافة مما يتحتم على ولي الأمر العاقل انتشال ابنه من الاحتكاك بتلك الشريحة المتدنية في ثقافتها وبالتالي نظرتها للحياة المتسمة بالسلبية والاستعداد العدواني لأسباب تافهة تعكس التخلف والهمجية. إن أكثر ما يؤرق أذهان الوالدين اليوم ما نسمع به بين الحين والآخر من حوادث الخطف للغلمان أو للفتيات في وضح النهار لأسباب تراكمية عديدة لا تقتصر على الأمن فقط، فليس من المتصور أن يكون في كل شارع دورية أمن أو رجل أمن لكن المجتمع بجميع مؤسساته التربوية والتوجيهية والقضائية والأمنية يتحمل مسؤولية التقصير، ويجب أن ينشط كل في تخصصه لدرء هذه المفسدة المخيفة التي تعكس تمردا غير مألوف في مجتمعنا المسلم المحافظ.
|
|
|
| |
|