| |
الحقيقة شمس الحدود الزمانية للرسائل العلمية (1-2) د. دلال بنت مخلد الحربي
|
|
قبل سنوات خُضْتُ صراعاً (كوميدياً) مع فئة لا تحمل انتماءً فعلياً للفكر العلمي وغاب ضميرها الأكاديمي وفقدت رؤيتها البحثية الإبداعية في مناقشة أو ابتكار عمل أو طرح فكرة تخرج عن حدود ما هو مألوف. كان الجدل حول قناعتي الشخصية ورأيي (الأحادي) بضرورة تقليص الحدود الزمانية للدراسات التاريخية والاعتماد على الفترات الزمانية القصيرة من أجل تقديم دراسات متعمِّقة أفقياً، ولسدّ تلك الثغرات الموجودة في كل فترة من التاريخ. وكان أولئك الرافضون الذين لم يتَّفقوا معي في قناعاتي ينتمون إلى ذوي (المخالفة في الرأي فقط لأنك أنت صاحبه)، ورغبةً منهم في الوقت نفسه في إثارة مواقف جدالية يعتقدون أنهم من خلالها يستطيعون تحقيق شيء في أنفسهم، ولم تكن (بلاغتهم) أو (شطارتهم) في (ليّ) قناعاتهم التي تدور في فلك فتات البحث العلمي المصرِّين على التشبُّث به والذي لا يساعد مستقبلاً على إبداء نتاج علمي أصيل إلا أمراً يدعو للضحك والشفقة على حالهم ومستوى تفكيرهم. ولدعم وجهة نظري كتبتُ بتاريخ المحرم 1422هـ/ إبريل 2001م (السنة الرابعة، العدد الثالث عشر) افتتاحية مجلة (الدرعية) بعنوان: (هل يحتاج تاريخ المملكة إلى مزيد من الدراسات؟) عرضتُ فيه رأيي الذي حاولتُ أن أسنده إلى الحقائق العلمية والموضوعية والمنهجية، وأوردت في ذلك المقال ما نصُّه: (إن الواضح للعيان أن تاريخ المملكة في حاجة إلى دراسات كثيرة بشريطة أن تكون ذات حدود زمانية ومكانية أقلّ من سابقتها، وأن توجَّه أغلب الدراسات المقترحة إلى بحث الأمور التاريخية من جوانبها الاقتصادية والعلمية والاجتماعية، ثم أن يُتوسَّع في استخدام الوثائق التي تُحفظ مئات الآلاف منها - إن لم أقل الملايين - في الدوائر الرسمية؛ مثل: مكتبة الملك فهد الوطنية، ودارة الملك عبد العزيز، ومعهد الإدارة العامة، ومركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، ومكتبة الملك عبد العزيز العامة، وفي المحاكم الشرعية، وبخاصة في منطقتي مكة والمدينة، إضافةً إلى ما هو موجود منها في وزارات المالية والدفاع والداخلية وغيرها. فالتوجُّه نحو الموضوعات المعمَّقة موضوعاً والمحددة في إطار مكاني ضيّق وإطار زمني ضيق أيضاً، أو ربطاً مقارناً بين زمنين محدَّدين أو موقعين، أو متابعة مسألة موضوعية بعينها يجري التعرف على نشأتها وتدرُّج خطوات تطورها عبر حقبة زمنية قصيرة؛ لأن التركيز هنا سيكون على جانب موضوعي. واللجوء إلى الوثائق بالدرجة الأولى يعني تقديم بحوث جديدة في تاريخ المملكة تؤكد لمن يتابع ويقرأ أن تاريخ هذا البلد في حاجة إلى كتابات). ثم قدَّمت مؤلَّفي (الملك عبد العزيز واستراتيجية التعامل مع الأحداث.. حالة جدة) كبرهان على قناعاتي، وكانت حدوده الزمانية في أقلّ من ثلاثة أشهر؛ من 17 ربيع الأول 1343هـ إلى 6 جمادى الآخرة 1343هـ. واليوم أشعر أنني أكثر احتفاءً برأيي الذي لم أشعر في يوم من الأيام بخطئه برسالة علمية بعنوان: (حصار إبراهيم باشا للدرعية وسقوطها: 1233هـ - 1818م)، للباحثة الواعدة فاطمة حسين سعد القحطاني، وبإشراف الدكتور عبد الله بن محمد المطوع، من قسم التاريخ جامعة الملك سعود بالرياض. وبمجرد تصفُّح الرسالة في الوهلة الأولى تشعر أنك أمام عمل عملي جادّ ورصين ومحكم.. استطاعت فيه الباحثة من خلال فترته الزمانية القصيرة، وهي ستة أشهر، أن ترسِّخ مفهوماً من مفاهيم الدراسات الجديدة الذي نأمل في انتشاره. ولأهمية الرسالة سأفرد حديثي عنها في الأسبوع القادم إن شاء الله.
|
|
|
| |
|