Al Jazirah NewsPaper Wednesday  13/12/2006G Issue 12494مقـالاتالاربعاء 22 ذو القعدة 1427 هـ  13 ديسمبر2006 م   العدد  12494
رأي الجزيرة
الصفحة الرئيسية

الأولى

محليــات

الاقتصادية

الريـاضيـة

مقـالات

استراحة

الثقافية

دوليات

متابعة

منوعـات

نوافذ تسويقية

الرأي

عزيزتـي الجزيرة

مدارات شعبية

زمان الجزيرة

الأخيــرة

حين غاب المشيِّعون..!
إبراهيم بن عبد الرحمن التركي

(1)
في أيامه الأخيرة كتب (نجيب محفوظ 1911- 2006م) (أحلامه في فترة النقاهة) مثلما سماها، وصدرتْ في كتاب، ثم أضيفت لها - مؤخراً - ثلاثةُ أحلام نشرتها مجلة (ضاد) التي تصدرُ عن (اتحاد كُتّاب مصر)، وكان منها هذا الحلم:
* (رأيتُني في مستشفى لإجراء بعض التحاليل، وهناك علمت أن مصطفى النحاس يرقد في العنبر المجاور، فذهبت إليه، وتأثرت لمنظره، وقلت له: سلامتك رفعة الباشا، فقال: إن ما بي من مرض هو ثمرة حتمية لنكران الجميل، فقلتُ له: إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا)..!
** هاجسٌ يقتُلُ الحيّ، ويعيش في عتماته من غادر مناطق الضوءِ وقد كان ملء البصر فانكفأَ على ذاته مجتراً ذكرياته، ومكتفياً بالفرجة على مشاهد كان - في يومٍ - صاحب الدور الرئيس في أحداثها..!
** وهو ذاتُه يظلم الميت؛ ويلغي دوره أو يُشوِّهه، ويضع الجيل تلو الجيل في مواجهةِ حقائق جديدةٍ تصوغ تأريخاً مختلفاً لم يألفْه من عاش الحقبة، أو من قرأ النصَّ الأصلي، ويُدفن في رمسه ثانيةً وعاشرةً ومئةً منْ نعتْه الحياة وتنكرَّ له الأحياء..!
** وفي الزمن المتأخر كثرت الكتاباتُ التي تتجه إلى تصنيف الأشخاص والأفكار، وتقدمُ قراءاتٍ مبتسرةً يغلب عليها التوجهُ الفئويُّ والطائفيُّ والمؤدلج، ويفتش ذو هوى شخصي أو تنظيمي عما يدعمُ رأيه في إثارة الغبار حول أسماءٍ بعينها ليُدفن فكرها بالوهم ويموت أربابها بالظلم، وينمو التصنيفُ المَرَضَيُّ الذي أوجد تشظيات داخل الوسط الواحد فانتهوا - بعد الوحدة - إلى فراقٍ وربما إلى طلاق..!
(2)
** كان الزعيم البريطانيُّ (ونستون تشرشل 1874-1965م) يقول (إن التأريخ سيعامله برفق لأنه سيكتُبه بنفسه)..!
** وربما صدق؛ فالتأريخ - بطبعه - موضوعي حين يمنهج ولا يؤدلج، وعندما يُتاح لمؤرخيه كتابة الوقائع بوجوهِها المقابلة للقمر والساقطة في سُدُم الفراغ والظلام..!
** وإذن فليست المشكلة في التأريخ أو معه، بل مع مَنْ يغتصبون التأريخ اتباعاً أو ابتداعاً، ويضيفون عليه توجهاتهم الذاتية أو الرسمية، ثم ينجحون في خلق جماهير (قطيعيّة) لا تكادُ تسمعُ الاسم حتى تصدر الحكم..!
** لا تختلف التياراتُ في هذا الموقف؛ وربما تبالغُ بعضها في رفض الأسماء لمجرد تشابهها مع أسماءٍ أشربت نفوسُهم كرهَها دون أن يُتاح لهم تأمل أو استقراء؛ لتبقى المواقفُ المسبقةُ ذاتَ تأثير في وأد التطلع المشروعِ لفكرٍ غير مستلب..!
(3)
** عُرف بعض الكُتّاب والمؤدلجين بتوجههم نحو نقد الشخصيات الأكثر جدلاً في مجالات المعرفة العامة، وحظيت مؤلفاتُهم بدعمٍ وانتشار داخل أوساط الشباب، وكان ميلُهم لتجذير نظرية المؤامرة والتبعية عاملاً حاسماً في تقديم (الوجوه) خلف أقنعة العمالة والتخريب الفكري، وظلت - لذلك - موضع تجاذب بين إسلاموي وليبرالي مثلما يتطلب التصنيف الجائر الذي يحتكم إلى الصورة المباشرة والذهنية، كما يرسمُها قياديو الأدلجة من الفريقين..!
(4)
** ليس مهماً أن نعود إلى (مصطفى النحاس 1879- 1965م) بشخصه بقدر ما نتأمل في مبادئه التي أعلنها حين تسلم قيادة حزب الوفد من سعد زغلول، وأضاف إلى شعاريه المتمثلين في (الاستقلال والليبرالية) شعارَ (العروبة)، ومضى به إلى أن جُمِّد الحزب عام 1954م وانكفأ (الباشا) في بيته بعد أن رأس الحكومة خمس مرات أولها عام 1928 وآخرها عام 1950م وتعرض للاغتيال ست مرات ثم مات في فراشه نسياً منسياً..!
** وبمثل ذلك يجيء سقوط بغداد الأخير منذ شغلنا عنه بسقوط الزعيم، وبات الأهمُّ هنا زوالَ الحاكم، وغفلنا عن انحسار الحكم والحاكمية مثلما أراد الكسرويُّون والقيصريُّون..!
** للنحّاس أن يتألم، ولبغداد أن تئن؛ فقد خلطنا الشيء بالشخص، وتجاهلنا آثار تحييد المبدأ في الحال الأولى (وهو العروبة)، ودخول المغول في الحال الثانية، ومن ثم عودة الاستعمار الخارجي مثلما الوطني؛ لا فرق بين قبعةٍ وعمامة..!
** وإذن فالسقوط النفسي في كلا القضيتين هو الهزيمةُ المدويّة التي يتردى فيها العربيّ منذ سقوط بغداد الأول (656هـ - 1258م)، وطرد العرب من الأندلس (898هـ - 1492م)، واحتلال فلسطين (1368هـ - 1948م)، ثم ما تلاها من نكبات..!
(5)
** تهتز الثقة بالتأريخ متى أُدخل في أنفاق الأهواء، ولن نختلف حول أن أولى هزائمنا الوحدوية كانت بانقسام الأمة قبل نهاية الخلافة الراشدة، دون أن يستطيع عام الجماعة (41هـ) أن يُحقِّق معناه، فزاد الصدعُ بين الأطياف ولا يزال..!
** أيكون العيبُ في الحدث الذي فسّره كل طرف بما يلائمه، أم في التاريخ الذي تجاذبته الأهواء، أم فينا نحن حين أغلقنا منافذ الهواء إلى عقولنا ففسدتْ أحكامُنا وبتنا مجموعةَ تلاميذ بلداء لمعلمين تعساء..!
** سيغضب منا (السخاوي) الذي ألف كتابه الذائع (الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ) ولكننا لن نغضب من غضبه؛ فالتأريخ يُزيّف أمام أعيننا وتحت أسماعنا؛ فتتحول الهزيمة إلى نصر، والخيانة إلى بطولة، والقمار إلى شجاعة، والطائفية إلى وطنية، والتقسيم إلى وحدة..!
** الحقائق تُغتال كل يوم في العراق ولبنان وأفغانستان وفلسطين، والتاريخ تلوثه الأقلام وتركله الأقدام، وينتظر مِنّا أن نصدق المحتل ونصفْق للمتآمر، وهنا تبدو المشكلة اليوم، وستصبح معضلة غداً..!
(6)
** مثلما لا تستقر خرائطُ الجغرافيا تتلون حقائقُ التأريخ، وكما يُنَكرَ جميلُ الأحياء يُهال التراب على الأموات، ويطغى الجَدْب على الخصب، ويكتبُ من غادره ضميرهُ عن عملاقٍ فيحيله إلى قزم، وعن وضيعٍ يصبح رفيعاً، ويبقى أن نبتاعَ الوهم فنؤمن بلا وضوء ولا صلاة، ونتوجه إلى حيث لا كعبة ولا قبلة، وتسقط الأقنعة عمن ينحرون التاريخ ويخربون الجغرافيا..!
* الموتُ يُبكِّرُ أحياناً..!

e:mail: ibrturkia@hotmail.com.



نادي السيارات

موقع الرياضية

موقع الأقتصادية

كتاب و أقلام

كاريكاتير

مركز النتائج

المعقب الإلكتروني

| الصفحة الرئيسية|| رجوع||||حفظ|| طباعة|

توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية إلىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية إلى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved