| |
الخطر القادم أ.د. عبد المحسن وني الضويان
|
|
لا أدري لِم تصر إيران على امتلاك السلاح النووي أو حتى استخدامه للأغراض السلمية لأنه باهظ التكاليف يحتاج إلى تقنيات عالية في إنتاجه والمحافظة عليه. كان الأولى ان تصرف المبالغ على المشروعات التنموية وتطوير المواطن والنهوض بمستواه بدلاً من صرفها على طموحات مشكوك في جدواها العسكري والسياسي، ناهيك عن أضرارها الصحية والبيئية على المدى القصير والطويل. لا أعتقد أن السلاح النووي سلاح ردع فعال يبدو أن هذه المقولة قد انتهت وثبت عدم صحتها. إيران لا تحتاج السلاح النووي لأنها ليست مهددة من دول الجوار وفي المقابل لا تستطيع أن تجابه الدول العظمى عسكرياً على الأقل، هي كمن يشتري سيارة ثمينة في الوقت الذي حاجته ماسة إلى الغذاء والدواء. على أي حالٍ ما يهمنا هنا ليس سلاح إيران النووي عسكرياً وسياسياً، وإن كنت أتمنى ألا تملك إيران مثل هذا السلاح الذي يهدد أمن واستقرار دول الخليج، المهم هو صحة وسلامة أبناء الخليج من الخطر القادم المحتمل وهو التسرب الإشعاعي الذي يضر بالجميع بمن فيهم أبناء الشعب الإيراني، وبالمناسبة أن إيران لا تحتاج التقنيات النووية لإنتاج الطاقة لأنها دولة بترولية وتستطيع أن تحصل عليها من البترول بكلفة أقل وبتقنيات متوفرة لديها. لا ندري كيف سينتهي الوضع هل ستستطيع أمريكا ودول الغرب إقناع إيران بالتخلي عن طموحاتها النووية أم أن تداخل المصالح في المنطقة خصوصاً أن إيران قد دخلت بثقلها في الشأن العراقي وأمريكا تحتاجها في تهدئة الأوضاع ولذا فقد تغض الطرف عن أنشطة إيران النووية، للأسف على حساب أمن واستقرار وصحة أبناء منطقة الخليج العربي. المشكلة أن إيران دولة من دول العالم الثالث حتى لو امتلكت سلاحاً نووياً والسلاح النووي يحتاج إلى تقنيات عالية للتأكد من أنه آمن واحتمال التسرب الاشعاعي شبه مستحيل، لكن إيران قد لا تتمكن من تحقيق متطلبات السلامة لسببين مهمين الأول تكاليف السلامة المرتفعة، والثاني في أن الأخطار الصحية والبيئية قد لا تشغل حيزاً مهماً من تفكير المسؤولين هناك. ماذا يعني ذلك ؟ ببساطة يعني أضراراً صحية وبيئية محتملة في أي وقتٍ تهدد سلامة مواطني دول الخليج العربي. وأعتقد أن ذكرى الانفجار الذي حصل في تشرنوبل في روسيا عام 1985 وما نتج عنه من وفيات وأمراض خبيثة على مدى سنوات طويلة هي ذكرى مؤلمة تبرر خوفنا من الخطر القادم المتوقع من أنشطة إيران النووية بل وحتى الرعب، خصوصاً أن الموقع الذي اختارته إيران لمشروعاتها النووية على مرمى حجر من دول الخليج العربي كلها. كان يجب أن يكون للجميع وعلى كافة الأصعدة موقف واضح وحازم من خطر التلوث بالإشعاعات النووية، لكن ما تسمعه هو مباركة بعض الدول العربية البعيدة عن الخطر المحتمل للمشروع النووي الإيراني باعتباره سلاح ردع ويؤدي إلى تعديل موازين القوى بين إيران المسلمة وإسرائيل، وهذا في نظري تبسيط ساذج لطموحات إيران، أما دول الخليج فالأخبار عن إيران وحلمها النووي هو في ترديد ما يقوله الإعلام الغربي، دون التنبيه إلى الأخطار المحدقة بنا أبناء المنطقة. في العالم الغربي حيث الإنسان له قيمته وصحته تهم الجميع عندما تعتزم إحدى الدول إقامة مشروع يعتقد السكان أن له أضراراً بيئية كالتلوث الكيميائي، أو يهدد الحياة البحرية أو البرية أو يشكل وجوده خطراً على الآخرين، هناك يهب الجميع من أفراد وجماعات ومنظمات للوقوف في وجه المشروع وتعطيله، فتضطر الدول إلى الإذعان للرأي العام وتعدل من خططها وقد تلغي المشروع. نحن في دول الخليج يهددنا خطر عظيم وهو التلوث الإشعاعي من سلاح إيران النووي، لكن للأسف الشديد لم تسمع أي احتجاج من دول الخليج على نوايا إيران وطموحاتها النووية على المستوى الشعبي، أمريكا ودول الغرب تعارض إيران لأسباب سياسية وعسكرية، أما نحن فالخطر محدق والجميع ملتزم الصمت ،وهذا خطأ وتفريط في أمن وسلامة المنطقة، التسرب الإشعاعي يعني الموت السريع والبطيء لأبناء المنطقة والأمراض المستعصية، لكن لا أحد يحرك ساكناً. من عدم الإنصاف القول إن المسؤولين في دول الخليج لم يناقشوا الأخطار النووية الإيرانية في اجتماعاتهم وعلى كافة المستويات وربما لهم سياسات تجاه ذلك لكن نريد من الجميع ليس على المستوى الرسمي فقط وإنما على كافة المستويات موقفاً حازماً لتبصير الناس بالأضرار والأخطار التي يمكن أن تحصل، بل هي محتملة من جراء مشروعات إيران النووية. في نظري أننا إذا لم نستطع إيقاف أو ثني إيران عن طموحاتها بامتلاك السلاح والتقنية النووية، فلا أقل من أن ندخل في مفاوضات معها في وسائل السلامة لمنشآتها النووية والتأكد من جعل احتمال التسرب شبه مستحيل، الأولى أن تبعد المواقع عن دول الخليج العربي لكن لا بد من رد فعل لدول الخليج العربي لدرء الأخطار حتى ولو تحملت جزءاً من تكاليف سلامة منشآت إيران النووية وتقليل المخاطر إلى أقصى حد ممكن، فهذه التكاليف تعتبر زهيدة إذا قيست بالأضرار التي قد تنجم من جراء احتمال التسرب الإشعاعي. وإن كان الخطر سيظل للأسف الشديد، فإنما مادامت المنشآت قريبة من دولنا. نرجو الله مخلصين أن تتخلى إيران عن سلاحها النووي لأن ضرره أكثر من نفعه، كما ندعو الله أن تستثمر الجهود التي تحاول إقناعها لعدم جدوى هذا السلاح وان تتوجه إيران إلى المشروعات التنموية لرفع مستوى مواطنيها وزيادة رفاهيتهم بدلاً من تحمل تكاليف باهظة غير مجدية ولا تجلب رخاء للمواطن. ها هي كوريا الشمالية لديها سلاح نووي لكن يعاني شعبها من شبح المجاعة ولا يمكن مقارنة مستوى الفرد في هذه الدولة بما هو عليه المواطن في نظيرتها كوريا الجنوبية، كما أن أوكرانيا لديها أكبر مخزون سلاح نووي ومع ذلك تعاني من مشكلات اقتصادية صعبة وعدم استقرار. ليت إيران تأخذ عبرة من هذه الدول وتعيش الواقع وتكفي شعبها وشعوب الخليج أخطار التلوث الإشعاعي لعل وعسى. والله الهادي إلى سواء السبيل.
|
|
|
| |
|