| |
ثقافة العنف غالب فريد البناء
|
|
أنقل لكم صورة وصفية صادقة لذلك اليوم المشرق الدافئ لدى خروجي من منزلي متوجهاً لعملي، ليقع نظري على تلك الصناديق البريدية، وقد ازدان بها شارع منزلي كسائر شوارع مدينة جدة، وقفت أتأملها كزائر معرض تشكيلي يتأمل لوحة جدارية فنية بديعة، ولا عجب فقد أوحت لي بالحيوية وهي تنتصب على تلك الجدران التي طالما عهدتها صماء صامتة.تذكرت تصريحات المسؤولين في البريد السعودي عن عزمهم على إحياء تجربة (بريدك إلى منزلك) في محاولة لإنعاش وسيلة التواصل تلك بعد أن كادت تنحسر في وجه المد الجارف للشبكة العنكبوتية والبريد الإلكتروني، وفي خضم حمى خفض أسعار المكالمات الدولية ورسائل الجوال والسباق المحموم عليها. مضت ساعات العمل سريعة، وعدت عصراً لأفاجأ لدى عودتي بتلك الصناديق وقد تحول بعضها إلى أطلال، والبعض الآخر أضحى أثراً بعد عين بأيدي العابثين من القصّر والمراهقين. كان مشهداً يدمي القلب، وللأمانة فلم يكن شاغلي الاعتداء على المال العام بهذه الطريقة الوحشية فحسب، بل إن ما جال في خلدي ذاك السؤال الذي بلا شك شغل الكثير ممن ابتلي بنقمة تحليل الظواهر الاجتماعية ودراستها. من المسؤول عن بث ثقافة العنف في قلوب وأفئدة فلذات أكبادنا؟ من حول هذا القلب البريء من مضغة مجبولة على الخير إلى قنبلة موقوتة ستنفجر يوماً فتهلك صاحبها وتهلك الناس معها؟ من أحال تلك الثقافة إلى منهج في تعاملهم مع كل جماد لا يقوى على الدفاع عن نفسه؟ أسئلة كبيرة بحجم هذا الموضوع وهي بحاجة لوقفة صادقة للإجابة عليها، وقفة من الأهل المهملين في زرع حب الخير في نفوس أبنائهم، ووقفة من المدرسة التي نست أو تناست دور التربية قبل التعليم فانعدمت التربية وتراجع التعليم، ومن القائمين على المساجد الذين يجدّون في إنشاء حلقات لتحفيظ القرآن ويقصرون في شرح أحكامه. ولله در شيخنا الفاضل علي الطنطاوي - رحمه الله - حين قال: (إذا أردتم أن تعرفوا مجرمي الغد فابحثوا عنهم في ثياب أطفال اليوم، واعلموا أن هؤلاء المجرمين الذين تمتلئ بهم السجون كانوا يوماً أطفالاً أطهاراً).
|
|
|
| |
|